فما قصدوا غيري، وإن كان قصدهم * سواي، وإن لم يظهروا عقد نية رأوا ضوء نوري مرة، فتوهموه * نارا، فضلوا في الهدى بالأشعة ويتفق ابن الفارض هنا، مع غيره من الصوفية المتقدمين عليه كالحلاج، والمعاصرين له كابن عربي، فالحلاج يرى الأديان كلها لله، شغل بكل دين طائفة، كما يرى أن الإسلام والمسيحية واليهودية وغير ذلك من الأديان، إن هي إلا ألقاب مختلفة وأسماء متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف!
وأما ابن عربي فقد ذهب إلى أن الدين كله لله، لأن الانقياد - كما يقول الفاشاني في شرحه - ليس إلا له، سواء انقدت إلى ما شرعه الله، أو إلى ما وضعه الخلق من النواميس الحكيمة، لأنه لا رب غيره، ناهيك بأن الانقياد إنما هو منك لا منه، إذ أن أصل الفعل منه، لا من المظاهر، والمنقاد إليه سواء كان مأمورا به، من عند الله، أو من عند الخلق، مأمور به في الأصل من الله ولله!
وما يقرره ابن الفارض هنا عن عبادة الأصنام وغيرها من المظاهر الطبيعية، لا يكاد يخرج في مفهومه ومدلوله، عما يعبر عنه ابن عربي، بقوله في فصوص الحكم " إن العارف المكمل، وهو من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد فيه!
ولذلك سموه كلهم إلها، مع اسمه الخاص بحجر أو شجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك، فهذا اسم الشخصية فيه، والألوهية مرتبة تخيل العابد له أنها مرتبة معبوده، وهي على الحقيقة مجلى الحق لبصر هذا العابد الخاص المعتكف على هذا المعبود في هذا المجلى المختص... وأما العارفون بالأمر على ما هو عليه، فيظهرون بصور الإنكار لما عبد من الصور، لأن مرتبتهم في العلم تعطيهم أن يكونوا بحكم الوقت، لأنهم علموا أن الوقت مجلى عظيم من مجالي الحق، يتجلى في كل وقت ببعض صفاته: فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلك الصور أعيانا، وإنما عبدوا الله فيها بحكم سلطان التجلي الذي عرفوه منهم، وجهله المنكر الذي لا علم له بما تجلى، وستره العارف المكمل من نبي ورسول ووارث عنهما!.. "