الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤١٥
(ثانيا) أن إرادة الإنسان ليست حرة، ولا اختيار لها فيما يصدر عن الإنسان من أفعال الخير والشر، ولا فيما ينعم به من الإيمان، أو ما يغرق فيه من الكفر، بل إن مشيئة الله وحكمته هما اللتان تقضيان بأن تكون هذه الأفعال الإنسانية أو تلك خيرة أو شريرة، وتقدران على هذا الإنسان أو ذاك، أن يكون من المؤمنين أو من الكافرين، فالله هو الذي يهدي من يشاء، وهدايته لأولئك، وإضلاله لهؤلاء، إنما يسيران على مقتضى قانون إلهي أزلي دائم، وصفه الله، وكتب فيه ما قدر لكل من سعادة أو شقاء، ومن هدى أو ضلال. وهذا القانون الإلهي لكل فعل من الأفعال الإنسانية، هو عند ابن الفارض، اسم من أسماء الذات الإلهية، فالهادي والمضل، والمعز والمذل والمنعم والمنتقم، والقابض والباسط، الخ... كل أولئك أسماء تنطوي على صفات، ولها مقتضياتها، وأحكامها التي تجريها على الخلق، فيما يعتقدون ويفعلون!
وقد أشار ابن الفارض إلى هذا كله في قوله:
ولولا حجاب الكون، قلت، وإنما * قيامي بأحكام المظاهر، مسكتي فلا عبث والخلق لم يخلقوا سدى * وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة على سمة الأسماء، تجري أمورهم * وحكمة وصف الذات، للحكم أجرت يصرفهم في القبضتين، ولا ولا * فقبضة تنعيم، وقبضة شقوة (1) وكما تشابه ابن الفارض والحلاج وابن عربي في الفكرة الأولى، فقد تشابه هنا معهما، فالحلاج يرى أن الله شغل بكل دين طائفة، لا اختيارا منهم، بل اختيارا عليهم، فمن لام أحدا ببطلان ما هو عليه، فقد حكم بأنه اختار ذلك لنفسه، وهذا مذهب القدرية (والقدرية مجوس هذه الأمة عنده)!

(1) يشير إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أنه قال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، فضرب بيمينه على يساره، فأخرج ذرة بيضاء كالفضة، ومن اليسرى سوداء كالفحمة، ثم قال: هؤلاء في الجنة، ولا أبالي، وهؤلاء في النار، ولا أبالي.
(٤١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 ... » »»