الأخرى، فالإيمان والكفر عنده، لا يختلفان اختلافا جوهريا، واليهود والنصارى والمسلمون والمجوس وعباد الأصنام يتفقون عنده، في أنهم يعبدون إلها واحدا، ولا يكادون يختلفون، إلا في الأشكال الخارجية والصور الظاهرية التي تأخذها العبادة عند كل فريق، وإذن فليس ثمة عنده، ما يوجب أن يعتقد المسلم أن القرآن بنزوله قد أبطل حكم التوراة والإنجيل، لأنها كلها صادرة من مصدر واحد، هو الذات الإلهية، ومعبرة عن حقيقة واحدة، هي الحقيقة العلية، وداعية إلى سبيل واحدة، هي سبيل الحق والخير!
يضاف إلى هذا، أن عباد الأصنام ليسوا ملومين في نظر ابن الفارض على عبادتهم هذه، والذين يلومونهم عليها، في حقيقتهم مغرقون في الشرك، لأنهم يجعلون إلى جانب الله معبودا آخر هو الدينار، الأمر الذي يرتب عليه ابن الفارض أن يكون عابد الأصنام أقل شركا وأقرب إلى روح التوحيد، وفوق هذا كله، فله تأويل عجيب، إذا يرى أن المجوس لم يعبدوا النار على الحقيقة وإنما هم قد رأوا نور الذات الإلهية مرة، فتوهموه نارا، فعبدوا، وضلوا في الهدى بنور الهدى!
ويقول:
في مجلس الأذكار، سمع مطالع * ولى حانة الخمار، عين طليعة وما عقد الزنار حكما، سوى يدي * وإن حل بالإقرار بي، فهي حلت وإن نار بالتنزيل محراب مسجد * فما بار بالإنجيل هيكل بيعة وأسفار توراة الكليم لقومه * يناجي بها الأحبار، في كل ليلة وإن خر للأحجار في البد عاكف * فلا وجه للإنكار، بالعصبية فقد عبد الدينار معنى منزه * عن العار بالإشراك، بالوثنية وقد بلغ الإنذار عني من بغى * وقامت بي الأعذار، في كل فرقة وما زاغت الأبصار من كل ملة * وما زاغت الأفكار في كل نحلة وما احتار من الشمس، عن غرة صبا * وإشراقها من نور إسفار غرتي وإن عبد النار المجوس، وما انطفت * كما جاء في الأخبار في ألف حجة