الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٤٠٩
هو لون من ألوان التعبير الإنساني عن العواطف والميول والمثل العليا، يتصل أشد الاتصال بأمزجة الأفراد والأمم، ممثل لها تمثيلا صادقا قويا، فمن الثروة للإنسانية أن تحتفظ بهذه الألوان المختلفة التي عبرت بها الأمم والشعوب عن عواطفها وميولها وطموحها إلى الحق الذي لا حد له "!
فلما استدرجه بقوله: إن الإنسانية في حاجة إلى أن يتحد مثلها الأعلا، وإذا لم تستطع الديانات أن تمثل هذا المثل الأعلا المشترك، فما السبيل إليها؟! " قال تاجور: " إن المثل الأعلا للإنسانية يجب أن يكون واحدا، ويجب أن يكون مشتركا، وهو هذه الحقيقة المطلقة التي لا حد لها ولا سبيل إلى استيعابها، ولن يؤثر اختلاف الديانات في هذا المثل الأعلا من حيث هو واحد مشترك تتعاون الإنسانية كلها على طلبه والسعي إليه، ذلك أن هذا المثل سيظل واحدا، وإن اختلفت الطرق إليه، وما الديانات المختلفة إلا طرق متباينة، ولكنها متحدة الغاية، تنتهي كلها إلى هذا المثل الأعلى الواحد المشترك... وما دامت الديانات كلها سبيلا إلى هذه الحقيقة المطلقة، وما دامت في الوقت نفسه متصلة أشد الاتصال بأمزجة الأفراد والجماعات، وتمثلها أقوى تمثيل وأصدقه، فلا خير مطلقا في محاولة محو بعضها أو إضعافه، أو تقوية بعضها دون بعض، وإنما الخير كل الخير أن تترك للأفراد والأمم الحرية الدينية التي تمكنها من أن تعلن شعورها وعواطفها وطموحها إلى المثل الأعلا، كما تريده وكما تستطيع (1) "!
ولكن يرد على ذلك، أن المعرفة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، والطريق إليها قد يكون كذلك، فإذا كانت المعرفة أو الطريق إليها منحرفة، فإنها لا تصيب الهدف، ويكون إذ ذاك المثل الأعلا الذي يتحدث تاجور عنه، مثلا منحرفا، ويحضرني في هذا المقام قول الإمام الشيخ محمد عبدة رحمه الله " أقول ولا أخشى في الحق نكيرا، لا يمس الإيمان قلب شخص، إلا ويكون أول أعماله تقديم ما له وروحه في سبيل الإيمان، لا يراعي في ذلك عذرا ولا تعلة! وكل اعتذار في القعود عن نصرة الله، فهو آية النفاق وعلامة البعد

(1) راجع ص 99 - 101 من رابندرانات تاجور للأخ الأستاذ محمود المنجوري.
(٤٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 ... » »»