ينبغي أن لا يعدو نظره وتفكيره محبوبه، وتفكره محصور، في أقسام:
(1) تفكر في صفات نفسه، لتمييز المحبوب منها (من المحبوب)، عن المكروه، وكل ما هو مكروه عند الله، أو محبوب، ينقسم إلى ظاهر كالطاعات والمعاصي (التي تتعلق بالبدن وأعضائه)، وإلى باطن كالصفات المنجيات والمهلكات التي محلها القلب، ويجب في كل واحد من المكاره، التفكر في ثلاثة أمور: التفكر في أنه هل هو مكروه عند الله، أم لا، فإن كان مكروها، فما طريق الاحتراز عنه، وهل هو متصف بهذا المكروه في الحال فيتركه، أو هو متعرض له في الاستقبال فيحترز عنه، أو قارفه فيما مضى من الأحوال، فيحتاج إلى تداركه (وبعكس ذلك يكون التفكير في المحبوبات، ليعمر القلب بالأخلاق المحمودة، وينزه الباطن والظاهر)!
(2) التفكر في جلال الله، وفيه مقامان: التفكر في ذاته وصفاته ومعاني أسمائه، وهذا مما منع منه، حيث قيل تفكروا في خلق الله تعالى، ولا تتفكروا في ذات الله (لأن العقول تتحير فيه، فلا يطيق مد البصر إليه إلا الصديقون، ثم لا يطيقون دوام النظر)، أما النظر الثاني، فهو النظر في أفعاله وبدائع أمره في خلقه!
وكل ما في الوجود مما سوى الله، فهو خلقه، وكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض، فيها عجائب وغرائب تظهر بها حكمته وقدرته وجلاله وعظمته، وقد ذكر الغزالي من ذلك: خلق الإنسان من نطفة، فقد قال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "، ومن آياته خلق الأرض فراشا ومهادا، وأنبتت عجائب النبات وخرجت منها أصناف الحيوانات، وأودع المياه تحتها، ففجر العيون وأسال الأنهار تجري على وجهها، ومن آياته الجواهر والمعادن وأصناف الحيوانات والبحار العميقة، والهواء اللطيف المحبوس بين مقعر السماء ومحدب الأرض، وملكوت السماء وما فيها من الكواكب!
ويقول الغزالي إن في مشاهدة آيات الله في أرضه فوائد للمستبصر، أنه " ما من ذرة في السماوات والأرض، إلا ولها أنواع شاهدات لله تعالى بالوحدانية، هي توحيدها، وأنواع شاهدات لصانعها بالتقدس، هي تسبيحها