الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣١٦
الجنة، وأن ذلك السلام حقيقة، وهو قول من رب رحيم، وقال عز وجل " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا "، أي أنهم يزورون ربهم تبارك وتعالى فهل لذة رضى الله سبحانه وتكليمه للمؤمنين ورؤيتهم له وزيارتهم، لذة روحية أو حسية؟
على أن أغلب عنصر في اللذات الأخرى عموما، هو التمكن والتملك وحرية الاستعمال والأمن فيه، وعدم فقده أو تصور فقده أو العجز عن الحصول عليه أو استمرار التمتع به، وكلها مركبات روحية!
* * * ومع هذا فكيف لذتك، إذا دخلت الجنة، كيف تشاء، فلتغلب الروحية في لذتك كما سيكون، أو فلتغلب الحسية فيها إن استطعت، فليس هذا هو المهم، إنما المهم أنه ليس للجنة إلا طريق واحد بينه تعالى في قوله " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله "، وقوله " وعلى الله قصد السبيل، ومنها جائز (1) " وقوله " هذا صراط علي مستقيم "! وأما السبل في قوله تعالى " فقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام "، فهي شعب الإيمان بإجابة داعي الله، فلتجب داعي الله تكن سعيد الدارين، ولتعمل الخير ما استطعت، لتفوز فوزا عظيما!
ذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له " أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ " قال " بلى! ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان! فإن أتيت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا لم يفتح "! وعن العلاء بن زياد أنه كان يذكر بالنار، فقال رجل " لم تقنط الناس؟، فقال وأنا أقدر أن أقنط الناس! والله تعالى يقول " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا "، ويقول: " وإن المسرفين هم أصحاب النار "، ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوي أعمالكم، وإنما بعث الله محمدا مبشرا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرا بالنار لمن عصاه (2)! "

(1) أي ومن السبيل جائر عن القصد، وهي سبيل الغي.
(2) راجع ص 161 من تيسير الوصول ج 1 للشيباني.
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»