الحقائق الإسلامية في الرد على المزاعم الوهابية - حاج مالك بن الشيخ داود - الصفحة ٣٦
ولا ينبغي أن نحكم على البدع كلها من خلال ظاهر الحديث القائل كل بدعة ضلالة. لعلمنا بأن هناك أشياء نستعملها اليوم في شئوننا الدينية والإدارية تمشيا مع تطور العصر الحديث مع أن تلك الأشياء لم تكن موجودة ولا هي مستعملة في حياة الرسول ولا في زمن الصحابة وإنما ابتدعت من بعدهم رضوان الله تعالى عليهم.
وإذا صح القول بأن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بدعة موجبة للدخول في النار. فكيف بنا ونحن نتوجه كل سنة إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج عن طريق الجو أو عن طريق البواخر والسيارات؟ مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة قط بواسطة هذه المخترعات الحديثة ونعلم أن مسجده صلى الله عليه وسلم لم يكن مجهزا بمكبرات الصوت ولا المراوح الكهربائية كما هي الحال في مساجدنا اليوم ولم يبلغنا قط إنه صلى الله عليه وسلم صام أو أفطر بإخبار الإذاعات أو البرقيات كما نصوم الآن ونفطر بها.
وإذا كانت عباداتنا هذه كلها باطلة لاعتمادها على أشياء محدثة لم يفعلها الرسول ولم يباشر بها في حياته، فمن ينجو منا؟ ومتى يمكننا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) حديث شريف أخرجه الترمذي وقد قسم ابن عبد السلام [1] الحوادث إلى الأحكام الخمسة فقال: البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنها واجبة كتعلم النحو وغريب الكتاب و السنة ونحوهما مما يتوقف فهم الشريعة عليه. ومنها محرمة كمذهب القدرية والجبرية و المجسمة. ومنها مندوبة كإحداث الروابط والمدارس والمستشفيات وبناء القناطر وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول. ومنها مكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف. و منها مباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر والتوسع في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
ومن البدع المستحسنة أيضا الكتب والتصانيف فهي محدثة لم يكن شئ منها في زمن الصحابة وإنما حدثت بعد سنة مائة وعشرين من الهجرة بعد وفاة جميع الصحابة و جملة التابعين رضي الله عنهم أجمعين.

(1) عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الشافعي المتوفى سنة 660 ه‍.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»