اقتضى حكمة الشارع أن يخص كلا منهم بفضيلة فالقرن الأول خصهم الله بمزية لا سبيل لأحد أن يلحقهم فيها وهم الصحابة رضي الله عنهم ثم عقبهم التابعون فجمعوا ما كان من الأحاديث ومسائل الدين متفرقا حتى كان أحدهم يرحل في طلب حديث واحد ومسألة واحدة الشهر والشهرين وضبطوا أمر الشريعة أتم ضبط وتلقوا الأحكام والتفسير من الصحابة فحصل لهم نصيب وافر في إقامة الدين فلذلك كانوا خيرا من بعدهم ثم عقبهم تابعوا التابعين الذين ظهر فيهم الفقهاء المجتهدون الذين قلدهم الناس والمرجوع إليهم في النوازل فوجدوا القرآن مجموعا ميسرا ووجد والأحاديث قد ضبطت وأحرزت فتفقهوا في القرآن والأحاديث على مقتضى قواعد الشريعة وعينوا وجوه الدلالة واستنبطوا منها أحكاما بينوها على مقتضى الأصول ويسروها على الناس ودونوا الدواوين وأزالوا المشكلات باستخراج الفرع من أصله ورده وتبيينه منه وانتظم الحال واستقر أمر دين الأمة المحمدية بسببهم فحصل لهم في إقامة هذا الدين خصوصية أيضا فلما مضوا لسبيلهم أتى من بعدهم فلم يجد في الدين وظيفة يقوم بها بل وجد الأمر على أكمل الحالات فلم يبق له إلا أن يحفظ ما دونوه واستنبطوه واستخرجوه وأفادوه ولا يحصل الخير إلا باتباعهم وتقليدهم وبقائه في ميزانهم فإن ظهر له فقه غير فقههم أو فايدة غير فايدتهم فردود عليه إلا أن يكون مما لم يقع بيانه في زمانهم بالفعل ولا بالقول فيجب حينئذ أن ينظر فيه على مقتضى قواعد هم في الأحكام الثابتة عنهم فإذا كان على مقتضى أصولهم يقبل وإلا فلا إذ كل من أتى بعدهم يقول في بدعة أنها مستحبة ثم يأتي على ذلك بدليل خارج عن أصولهم فذلك مردود عليه غير مقبول لأن التقليد والاقتداء بالغير بمجرد حسن الظن إنما يجوز لمن كان مجتهدا عدلا لا لمن كان مقلدا لا يفرق بين الغث والسمين ولا يعرف الشمال من اليمين لكن ينبغي أن الاجتهاد لما انقطع منذ زمان طويل انحصر طريق معرفة مذهب المجتهد في نقل كتاب معتبر متداول بين العلماء وإخبار عدل موثوق في علمه وعمله إلى آخر ما قال انتهى فبين في عبارته هذه أن من شهد له صاحب الشريعة بالخيرية فهو الذي يتبع وتكون الإشارة إليه منه وهو قوله خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأن
(٢٤)