وسلم باختلاف المذاهب بعده في الفروع من منذ زمن أصحابه الذي هو زمن الهدى والرشاد المشهود لهم من مشرفهم بأنه خير القرون على الإطلاق ويلزم من اختلافهم اختلاف من بعدهم لأن كل صحابي مشهور بالفقه والرواية أخذ بقوله ومذهبه جماعة ومع ذلك رضي به صلى الله عليه وسلم وأقرهم عليه ومدحهم حتى جعل ذلك الاختلاف رحمة للأمة وخيرهم في الأخذ بقول من شاءوا من أصحابه اللازم له الأخذ بقول من أرادوا من المجتهدين بعدهم الجارين على منوالهم والسالكين لمسالكهم في أقوالهم وأفعالهم انتهى وأما الأحاديث التي فيها الإشارة ففي الإمام الأقدم والمجتهد الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه في حديث الصحيحين لو كان العلم في الثريا لتناوله رجال وفي رواية رجل من فارس قال السيوطي وغيره من المحدثين هذا نص في أبي حنيفة إذ لم يظهر لأحد منهم ما ظهر له ولأتباعه وتبعه على ذلك جملة من المحدثين والفقهاء وأما الإمام مالك رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه عليه وسلم يوشك أن تضرب أكباد الإبل فلا يجدون عالما إلا عالم المدينة وقد تقدم في مناقبه وأما إمام الشافعي رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه وسلم عالم قريش يملأ طباق الأرض علما وقد تقدم من رواه في مناقبه وحقق الأكابر من السلف أنه محمول على هؤلاء المذاهب فهذه الأحاديث إرشادات منه صلى الله عليه وسلم إلى هذه المذاهب الأربعة وفهم منها السلف الصالح في زمنهم وبعده عليهم وعلى استحسان اتباعهم دون غيرهم فكيف يقول المدعون لم يرد حديث في الأخذ بأقوالهم مع أن الحديث وارد بالعموم والخصوص وأما قولهم بل لنا الأخذ بالكتاب والسنة فيقال لهم وهل خرج هؤلاء المذاهب عن الكتاب والسنة وأبقوا لأحد شيئا يأخذ به المتأخر عنهم فهذا أشبه ما يكون بقول الرافضة والزيدية والخوارج فإنهم يضللون الأمة المحمدية ويدعون أنهم والمذاهب والصحابة على غير هدى وأما أهل السنة والجماعة فليس كذلك فإن كان هؤلاء المدعون من الرافضة والخوارج فلا كلام لنا معهم لأنهم ما رقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما في البخاري ومسلم وكافة كتب الحديث وحمل سيدنا علي رضي الله عنه وكذلك غيره حمل قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا على الخوارج المكفرين
(١٣)