أشد الجهاد - الشيخ داود الموسوى البغدادى - الصفحة ١٧
لكن أفتي بقول من يحفظ ألف ألف حديث يعني الإمام أحمد وهذا أحد ما يوجب الامتناع من ادعاه الاجتهاد لأن المجتهد يلزمه الاطلاع على هذا المقدار من الأحاديث ليعلم الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد فما دام لم يطلع على هذا المقدار لا يمكنه الاجتهاد لأنه يفوته هذه الأشياء والمذاهب الأربعة اطلعوا على ذلك وزيادة فالعمدة عليهم لا على أهل الجهل والفساد وقال بن القيم الحنبلي في (إعلام الموقعين) والمقصود أن الواجب فيما علق الشارع الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يتجاوز بألفاظها ومعانيها ولا تقصر بها ويعطي اللفظ حقه والمعنى حقه وقد مدح الله أهل الاستنباط في كتابه وأخبر أنهم أهل العلم ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله وشبهه ونظيره ويلغى ما لا يصح وهذا هو الذي يعقله الناس من الاستنباط وقال الجوهري الاستنباط كالاستخراج ومعلوم أن ذلك قدر زايد على مجرد مفهوم اللفظ فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط إذ موضوعات الألفاظ لا تناله بالاستنباط وإنما ينال العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم والله سبحانه ذم من سمع ظاهرا مجردا فأذاعه وأفشاه وحمد من استنبط من أولي العلم حقيقة ومعناه يوضحه لأن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفى على غير مستنبطه ومن ذلك استنباط الماء من أرض البئر والعين ومن هذا قول علي رضي الله عنه لما سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ دون الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه ومعلوم أن هذا الفهم قدر زايد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه وخصوصه فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لفة العرب وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظايره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه بحيث لا يدخل فيه غير المراد ولا يخرج منها شئ من المراد انتهى وليس من له هذه الرتبة والحالة إلا الأئمة الأربعة الذين كانوا في قرب زمن النبي والصحابة ونالوا من نور الرسالة ومدد علمه ما لم ينله غيرهم فكيف يمكن لغيرهم في آخر الزمان حال كحالهم وفهم كفهمهم واطلاع على نصوص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»