وأما ما جنحت إليه، وعولت في التكفير عليه، من التوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على العدى، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، التي لا يقدر عليها إلا رب الأرضين والسماوات، إلى آخر ما ذكرتم، موقدا به نيران الفرقة والشتات، فقد أخطأت فيه خطأ مبينا، وابتغيت فيه غير الإسلام دينا، فإن التوسل بالمخلوق مشروع، ووارد في السنة القويمة ليس بمحظور ولا ممنوع، ومشارع الحديث الشريف بذلك مفعمة، وأدلته كثيرة محكمة، تضيق المهارق عن استقصائها، ويكل اليراع إذا كلف بإحصائها، ويكفي منها توسل الصحابة والتابعين، في خلافة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، واستسقاؤهم عام الرمادة بالعباس، واستدفاعهم به الجدب والبأس، وذلك أن الأرض أجدبت في زمن عمر رضي الله عنه، وكانت الريح تذرو ترابا كالرماد لشدة الجدب، فسميت عام الرمادة لذلك، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعباس بن عبد المطلب يستسقي للناس، فأخذ بضبعيه، وأشخصه قائما بين يديه، وقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك، فإنك تقول وقولك الحق: " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا " (1)، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقد دنونا به إليك مستغفرين، ثم أقبل على الناس وقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا، والعباس عيناه تنضحان يقول: اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، إنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون، اللهم فأغثهم بغياثك فقد تقرب القوم إليك بمكانتي من نبيك عليه السلام " فنشأت سحابة، ثم تراكمت، وماست فيها ريح، ثم هزت، ودرت بغيث واكف. وعاد الناس يتمسحون بردائه ويقولون له:
هنيئا لك ساقي الحرمين.
فأخبرني - يا أخا العرب - هل تكفر بهذا التوسل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وتكفر معه سائر من حضر من الصحابة والتابعين، لكونهم جعلوا بينهم وبين الله واسطة من الناس، وتشفعوا إليه بالعباس، وهل أشركوا بهذا الصنيع مع الله