إتحاف أهل الزمان - عمر غامسوري - الصفحة ١٠
وأما ما جنحت إليه من هدم ما بني على مشاهد الأولياء من القباب، من غير تفرقة بين العامر والخراب، فهي الداهية الدهياء والعظيمة العظمى من الظلم، التي أضلك الله فيها على علم، " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ". (1) وكأنك سمعت في بعض المحاضر، بعض الأحاديث الواردة في النهي عن البناء على المقابر، فتلقفته مجملا من غير بيان، وأخذته جزافا من غير مكيال ولا ميزان، وجعلت ذلك وليجة إلى ما تقلدته من العسف والطغيان، في هدم ما على قبور الأولياء والعلماء من البنيان. ولو فاوضت الأئمة، واستهديت هداة الأمة، الذين خاضوا من الشريعة لججها، واقتحموا ثبجها، وعالجوا غمارها، وركبوا تيارها، لأخبروك أن محل ذلك الزجر، ومطلع ذلك الفجر، في البناء في مقابر المسلمين، المعدة لدفن عامتهم لا على التعيين، لما فيه من التحجير على بقية المستحقين، ونبش عظام المسلمين.
وأما ما يبنيه المسلمون أو الكفار في أملاكهم المملوكة لهم، ليصلوا بمن يدفن هناك حبلهم، فلا حرج يلحقهم، ولا حرمة ترهقهم. فكما لا تحجير عليهم في بناء أملاكهم دورا أو حوانيت أو مساجد، كذلك لا حرج عليهم في جعلها قبابا أو مقامات أو مشاهد.
ثم ليتك إذا تلقفت ذلك منهم، ووعيته عنهم، أن تعيد عليهم السؤال، وتشرح لهم نازلة الحال، وهل يجوز بعد النزول والوقوع، هدم ما بني على الوجه الممنوع، وهل هذا التخريب محظور أو مشروع. فإذا أجابوك أنه من معارك الأنظار، ومحل اختلاف العلماء والنظار، وأن منهم من يقول بإبقائه على حاله، رعيا للحائز في إتلاف ماله، وأن له شبهة في الجملة تحميه، وفي ذلك البناء منفعة للزائر تقيه. ومنهم من شدد النكير، وأبي إلا الهدم والتغيير. فإذا تحقق عندك هذا، فكيف تقدم هذا الإقدام وتخوض مزالق الأقدام، وتطلق العنان في هدم كل مقام، من غير مراعاة إل في الدين ولا ذمام. فإذا انفتحت لك هذه الأبواب، نظرت بنظر آخر ليس فيه ارتياب،

(1) س 2 / آ 114
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 » »»