في بنائه على قبر الخليل، ومن معه من أنبياء بني إسرائيل؟ وما تقول - ويحك - في الحديث الذي رواه جهابذة الرواة، وصححه المحدثون الثقات، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لما أسري بي إلى بيت المقدس، مر بي جبريل على قبر إبراهيم عليهما السلام، فقال لي إنزل فصل هنا ركعتين، فإن ههنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام "؟
وعنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أنه قال: " من لم تمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام ". فأين تذهب بعد هذا يا هذا؟ وهل تجد لنفسك مدخلا أو معاذا؟ وهل أبقيت بعد تضليل جميع الأنبياء ملاذا؟ " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ". (1) وأما تلميحكم للأحاديث التي تتلقفونها، ولا تحسنونها ولا تعرفونها، فهمتم بسبب ذلك في أودية الضلالة، ولم تشيموا بها إلا بروق الجهالة، وسلكتم شعابها من غير خبير، ونحوتم أبوابها بلا تدبر ولا تدبير، فإن حديث " لا تتخذوا قبري مسجدا "، محمله عند البخاري على جعله للصلاة متعبدا، حفظا للتوحيد، وحماية للجاهل من العبيد، لأن المصلي للقبلة يصير كأنه مصل إليه، فحمى صلى الله عليه وسلم حمى ذلك من الوقوع فيه. وأما قصده للزيارة والاستشفاع، والاستمداد ببركته والانتفاع، وقصد المسلمين إياه من سائر البقاع، فما يسعنا إلا الاتباع.
وكذلك ما لوحت به إلى شد الرحال، فإنك أخطأت في الاستشهاد به في نازلة الحال، وذلك أن الحصر في المساجد، دون سائر المشاهد.
وكذلك ما لمحت إليه من حديث تعظيم القبر بإسراجه، فإنك أخطأت فيه واضح منهاجه، مع بهرجة نقده في رواجه، ومحمله - على فرض صحته - على فعل ذلك للتعظيم المجرد عن الانتفاع للزائرين، أما إذا كان القصد به انتفاع اللائذين والمقيمين، فهو جائز بلا مين.
وأما ما تدعونه من ذبح الذبائح والنذور، وتبالغون في شأنها التغيير والتنكير، وتصف ألسنتكم الكذب، وتثيرون في شأنها الهرج والشغب، فكون الذبائح المذكورة مما أهل به لغير الله مكابرة للعيان، وقذف بالإفك والبهتان، فإنا بلونا أحوال أولئك الناذرين، فلم نر أحدا منهم يسمي عند ذبحها اسم ولي من الصالحين، ولا يلطخ