إتحاف أهل الزمان - عمر غامسوري - الصفحة ١٤
الضرائح، بدم تلك الذبائح، ولا يأتون بفعل من الأفعال، الحاكمة على تحريم الذبيحة والاهلال.
وأما نذرها لتلكم المزارات، فليس على أنها من باب الديانات، ولا أن من لم يفعل ذلك يكن ناقص الدين في العادات، وإنما يقصدون بذلك مقاصد الرقي والنشر (1)، والانتفاع في الدنيا بسر في التصدق بها استتر، ولم يدر منها إلا ما اشتهر.
والواجب علينا وعليكم الرجوع في حكم نذرها إلى العلماء الأعلام، المتضلعين من دراية الأحكام، المقيمين لقسطاسها، المسرجين لنبراسها، الناقبين على أساسها، ومن لديهم محك عسجدها ونحاسها.
فإن كنتم للحق تقيمون، ومن مخالفة الشريعة تتجرمون، " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون "، فإنهم يهدونكم السبيل، ويفتونكم في هذه المسألة بالتفصيل، وأن هذا الناذر إن نذر تلك الذبائح للولي المعين بلفظ الهدي والبدنة، فقد جاء بالسيئة مكان الحسنة. ولكن ما رأينا من خلع في هذا المحظور رسنه، ولا من اهتصر فننه، وإن نذر تلك الذبائح لمحل الزيارة، بغير هاته العبارة، وكان من الذبائح التي تقبل أن تكون هديا، فهل يلزمه أن يسعى به لذلك المزار سعيا، أو لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه رعيا، خلاف في مذهب مالك شهير، قرره العلماء النحارير. وإن كان ذلك النذر مما لا يصح إهداؤه، فالقاصد للفقراء الملازمين بمحل الشيخ يلزمه بعثه وإنهاؤه، والقاصد للولي في نذره وتشرعه (2)، لا يلزمه إلا التصدق به في موضعه.
وإذا اتضح لديك الحال، فأي داعية للحرب والقتال؟ وهل يتميز المشروع من هذه الصور بالمحظور، إلا بالنيات التي لا يعلمها إلا العالم بما في الصدور؟ والله إنما كلفنا بالظاهر، ووكل إليه أمر السرائر. ولم يقيض بالخواطر نقيبا، ولا جعل عليها مهيمنا من الولاة ولا رقيبا.

(١) النشرة بضم النون: ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن أن به مسا من الجن (النهاية لابن الأثير) (2) تشرع: 1 تبع شريعة أو دينا (دوزى)
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 » »»