أن من جعل بينه وبين الله وسائط لأجل الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم، وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: " قل لله الشفاعة جميعا " (1) ز " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " (2) وقال تعالى: " يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا " (3). وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " (4). فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله، كما قال تعالى: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " (5). وقال تعالى: " ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " (6). فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه، لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع ابتداء، بل يأتي فيخر لله ساجدا، فيحمده بمحامد يعلمه إياها، ثم يقول له: " ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع "، ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة، فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرنا لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهاجهم. وما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم، وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها وجعل الصدقة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد أقوام من أمتي الأوثان ".
وهو صلى الله عليه وسلم حمى جانب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق موصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر ويبنى عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، وثبت فيه لفظ: أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه. ولذلك قال غير واحد من العلماء: " يجب هدم القباب المبنية على القبور "، لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.