وفي الرابع والعشرين من جمادى الثانية سنة 1229. تسع وعشرين ومائتين وألف (الاثنين 13 جوان 1814 م)، ورد البشير من الدولة العلية العثمانية، بأخذ الحرمين الشريفين من يد الوهابي، وأعلنت مدافع الحاضرة سرورا بذلك.
ولا بأس أن نلم بخبر هذا الوهابي:
وهو أن رجلا يقال له محمد بن عبد الوهاب، من تلاميذ الشيخ ابن تيمية الحنبلي، منع زيارة القبور، حتى قبور الأنبياء، ومنع التوسل بهم إلى الله تعالى، والبناء على قبورهم وصرح بكفر من يفعل ذلك وسماه مشركا، زاعما أن الزيارة والتوسل عبادة، وهي لا تكون إلا لله تعالى. وترامت بهذا الرجل الأسفار إلى أن استقر بالدرعية من أرض نجد، فصادف بها آذانا واعية، وقلوبا من العلم خاوية، وألقى لكبيرهم سعود هذا المذهب، واستدل له بظواهر آيات وأحاديث اغتر بها عامتهم حتى استباحوا قتال المسلمين. ولم يزل هذا المذهب ينمو إلى أن أفضى الأمر لسعود بن عبد العزيز بن سعود، القائم الأول، فعظم الأمر في زمنه، ونصب حربا للمسلمين عموما، ولأهل الحجاز خصوصا، وصدهم عن بيت الله الحرام، وزيارة قبر سيد الأنام، وعاث في أهل الحجاز، وأطلق يد القتل والنهب فيهم. واستحكم هذا المذهب في قلوب أتباعه، والتحموا به التحام النسب. واشتدت عصبيتهم وقويت، فطلبوا غايتها وهي الملك والسلطان. وأقاموا دعاة يدعون الناس إلى مذهبهم، مع رسائل وجهوها لآفاق المسلمين، فوصلت منها رسالة للقطر التونسي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم، نستعينه ونستغفره ونعوذ به من شر أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.
أما بعد، فقد قال الله تعالى: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين " (1). وقال الله تعالى:
" قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم (1) س 12 / آ 108