وأما ما نزعتم إليه من التهديد، وقرعتم فيه بآيات الحديد، وذكرتم " أن من لم يجب بالحجة والبيان، دعوناه بالسيف والسنان "، فاعلم يا هذا أننا لسنا ممن يعبد الله على حرف، ولا ممن يفر عن نصرة دينه من الزحف، ولا ممن يظن بربه الظنون، أو يتزحزح عن الوثوق بقوله تعالى: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " (1)، ولا ممن يميل عن الاعتصام بالله سرا وعلنا، أو يشك في قوله تعالى: " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " (2)، وما بنا من وهن ولا فشل، ولا ضعف في النكاية ولا كسل، ننتصر للدين ونحمي حماه، وما النصر إلا من عند الله.
وأما ما جال في نفوسكم، ودار في رؤوسكم، وامتدت إليه يد الطمع، وسولته الأماني والخدع، من أنكم من الفئة الذين هم ومن حالفهم، لا يضرهم من خالفهم، وأنكم من الطائفة الظاهرين على الحق، وأن هذه المناقب تساق إليكم وتحق، فكلا وحاشا أن يكون لكم في هذه المناقب من نصيب، أو يصير لكم إرثها بفرض أو تعصيب، فإن هذا الحديث وإن كان واردا صحيحا، إلا أنكم لم توفوا طريقه تنقيحا، فإن في بعض رواياته " وهم بالمغرب " وهي تحجبكم عن هذه المناقب، وتبعدكم عنها بعد المشارق من المغارب.
فانفض يديك، مما ليس إليك، ولا تمدن عينيك، إلى من حرمت عليك، فإنكاح الثريا من سهيل، أمكن من هذا المستحيل.
أما أهل هذه الأصقاع، والذين بأيديهم مقاليد هذه البقاع، فهم أجدر أن يكونوا من إخواننا، وتمتد أيديهم إلى خوانها، لصحة عقائدهم السنية، واتباعهم سبيل الشريعة المحمدية، ونبذهم للابتداع في الدين، وانقيادهم للاجماع وسبيل المؤمنين.
وقد أنبأتنا في هذا الكتاب، وأعربت في طي الخطاب، عن عقائد المبتدعة، الزائغين عن السنة المتبعة، الراكبين مراكب الاعتساف، الراغبين عن جمع الكلمة والائتلاف، فالنصيحة النصيحة، أن تنزع لباس العقائد الفاسدة وتتسربل العقائد الصحيحة، وترجع إلى الله وتؤمن بلقاه، ولا تكفر أحدا بذنب اجتناه، فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله.