إجراء الأحكام الدنيوية عند الإمام أبي منصور الماتريدي والأشاعرة وشطر منه عند أكثر الحنيفة، والعمل بالطاعات شرط في كماله عند الجمهور غير داخل في حقيقة، فليس الإيمان مجرد معرفة الله، بدون الاذعان والنطق باللسان = كما قال جهم بن صفوان = ولو كان مجرد المعرفة إيمانا بالله تعالى لكان إبليس مؤمنا لأنه عارف بربه يعرف أنه خالفه ومميته وباعثه ومعذبه، (قال رب بما أغويتني)، وقال: (انظرني إلى يوم يبعثون)، وقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، ولكان الكفار مؤمنين بربهم، إذا أنكروا بلسانهم قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)، فلم يجعلهم مع استيقانهم بأن الله تعالى واحد مؤمنين مع جحدهم بلسانهم.
وقال تعالى: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)، وقال تعالى:
(قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق)، فلم تنفعهم معرفتهم مع إنكارهم.
وقال تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)، فلم تنفعهم معرفته صلى الله تعالى عليه وسلم مع كتمانهم أمره وجحودهم به، وليس الإيمان هو الاقرار باللسان فقط = كما قالت الكرامية = ولو كان هو الاقرار ما نفاه الله تعالى عن المنافقين في قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)، وليس الإيمان مجموع الاعتقاد بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان = كما قالت الخوارج والمعتزلة =، عليه كفر اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف التصديق اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف عليه ولا يمكن بناء أحكام الشرع عليه جعل الشرع العبارة عما في القلب بالإقرار أمارة عليه وشرطا لإجراء الأحكام الدنيوية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) ومن أطلق اسم الإيمان على غير التصديق فقد صرفه عما هو المفهوم