الذين وجدوا في زمانهم فهو على هذا صادق، قلت: هذا باطل بوجهين:
الأول: لو قربه من الحق قليلا لسمي من الطائفة السلفية السائلة ولو واحدا وسمي من المعتزلة المسؤولين ولو واحدا، فركوبه فيهما جادة الابهام التي لا يسلكها إلا الملبسون والكائدون للإسلام دليل واضح على أنه لا سائل ولا مسؤول فهو المفتعل لهما جزما.
الثاني: لو اجتمع معه الثقلان على النقل عن أي واحد من التابعين وأتباعهم ولو بإسناده واه أنهم قالوا للمعتزلة (من خلق السماوات والأرض) لم يستطيعوا ذلك بل لو اجتمع معه الثقلان على النقل عن أي صحابي من الصحابة الذين فتحوا البلدان ونشروا محاسن الدين الإسلامي على المعمورة ولو بإسناد واه أنهم كانوا يقولون للمجوس أو لغيرهم من طوائف الكفار (من خلق السماوات والأرض) لم يستطيعوا ذلك، بل لو اجتمع معه الثقلان على النقل عن سيد الكائنات صلى الله تعالى عليه وسلم ولو بإسناد واه أنه كان يقول للناس في دعوته لهم إلى الله (من خلق السماوات والأرض) لم يستطيعوا ذلك.
(الخامس): المخاطب بسؤال المشركين في قوله تعالى (ولئن سألتهم)، هو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خاصة، وأن الشرطية المقرونة بلام القسم ممكن وقوع شرطها وهو سؤالهم عن ذلك، وعدم وقوعه أي عدم سؤالهم عن ذلك عربية فمدخولها جائز الأمرين مستقبل معنى وأن كان ماضيا، ولم يرد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سألهم عن ذلك، ولذلك قال المفسرون إن المشركين يقولون: (الله) بالفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وهي العهد الذي أخذه عليهم في عالم الذر وبضرورة العقل السليم لا باللفظ، وعليه فقد تورط في الجهل أربع مرات: جعله نفسه في مقام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وحمله الآية الواردة في المشركين على المسلمين، وجعله مدخول إن الشرطية واجبا وهو جائز، وباللفظ، ولا يتردد العاقل في أن مخاطبة وسؤال المتخيل في الذهن يعد ضربا من الجنون.