لم يكفر الفقهاء ولا المحدثون المعتزلة مع ضلالهم وانحرافهم عن نهج السواد الأعظم ومع ضلالهم لم يكفر هم التابعون ولا أتباعهم ومع تعذيبهم للعلماء لم يكفرهم أيضا الفقهاء ولا المحدثون، وأقصى ما قاله فيهم أهل السنة جميعا: إنهم مبتدعة، وقد كان لهم مع انحرافهم عن نهج السواد الأعظم مواقف مشكورة في الرد على الملاحدة والزنادقة الذين كثروا، فطعنوا في صدر الخلافة العباسية في الشريعة الإسلامية بشتى الوسائل، بالمناظرات والتآليف، وقد ظهر منهم في المذهبين الشافعي والحنفي أعيان من العلماء، ففي الشافعية القاضي عبد الجيار الهمداني المتوفى سنة خمس عشرة وأربعمائة، وأبو لحسن الماوردي البصري المتوفى سنة خمسين وأربعمائة، وأبو يوسف القزويني المفسر المتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وفي الحنفية أبو بكر الحصاص الرازي المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة، والزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، والمطرزي المتوفى سنة عشر وستمائة.
(التاسع): قد قصر هو عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه وعدل عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فقسم التوحيد إلى قسمين وثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، أو هما مع توحيد الأسماء والصفات، ولم يقل الله هذا في كتابه العزيز ولا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا السلف الذين يلبس بهم وزعم أن متشابهات القرآن والسنة كلها حقائق، وأن الله استوى على العرش حقيقة، وأنه فوقه حقيقة، وجوز قيام الحوادث به جل وعلا، وزعم أن كلامه تعالى قديم بالنوع حادث بالجزئيات وأن عرشه تعالى كذلك وكل هذا لم يقله الله تعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا المسلمون أجمعون.
(العاشر): تحقق بجميع ما تقدم أنه جاهل بأصول الدين جهلا مركبا، وأنه قد حكم على نفسه بالشرك وعبادة غير الله وهو لا يشعر، فصدق عليه المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت).