والسلام، وتأولوا الباقي منها مع كتاب الله على ما يوافق أهواءهم فقالوا بمنزلة بين المنزلتين وبخلق القرآن، ونفوا صفات الله ونفوا رؤيته في الآخرة، وأنكروا عذاب القبر والميزان والصراط وغير هذه من السمعيات الثابتة في السنة وسموا أنفسهم عدلية.
وفي صدر المائة الثالثة عضدهم المأمون على نشرها في الأمة بالقوة وبعده أخوه المعتصم وبعد هذا ابنه الواثق، فأكرهوا العلماء على القول بخلق القرآن وامتحنوا كثيرا منهم بالحبس والضرب والقتل، ولم يقاوموا المعتزلة بالمناظرات الحاسمة، وقاومهم المحاسبي وابن كلاب، وإنهم محقون في عقائدهم وفيما صنعوه وأن الجماهير من علماء آخرون من أهل السنة دونهم في الشهرة بالتآليف الجيدة، الحسين الكرابيسي والحارث المسلمين، من نشأتهم إلى زمن الأشعري مبطلون، لأنهم لم يعرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فيوقفوا بها تيار ضلالهم الذي انتشر في الأمة الإسلامية هذه المدة، وقد قطع في أثنائها أبو محمد الأذرمي باطلهم، بمناظرة وجيزة أمام الواثق، لم ينحسم بها تيار ضلالهم ولا بمنع المتوكل لهم من امتحان العلماء وتعذيبهم، وفسحه لأهل السنة بنشرها في الأمة، فقد ارجعوا حربهم لأهل السنة بعدها إلى حلبتين، حلبة أقلام بالتآليف، وحلبة مناظرات فردية نحو سبعين عاما، حتى جاء أبو الحسن الأشعري فخرب في البصرة وكرهم، وصرع بالمناظرات والتآليف باطلهم، وأجهز عليهم في كل مكان من الأرض تلامذته وتلامذة تلامذته وأتباعه، فهل يقول من له مسكة من عقل ودين أنهم حيث مكثوا مائتي سنة ينشرون ضلالهم أهانوا في أثنائهم علماء الإسلام بالحبس والضرب والقتل عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه؟، وأن الآلاف المؤلفة من علماء الأمة في هذه المدة كلهم لم يعرفوها لأنهم لم يستطيعوا إيقاف تيار ضلالهم، إلا أبو محمد الأذرمي وأبو الحسن الأشعري وأتباعه فإنهم عرفوها، نعوذ بالله تعالى من زلقات اللسان وفساد الجنان.