فهما الأمة الإسلامية، والأشعرية في عصره هم المقصودون المخصوصون بتكفيره هذا، لأنه موتور منهم، فقد قضوا على مذهب سلفه المجسمة ببغداد بمحاوراتهم ودروسهم ومحاضرهم وقضوا عليهم في مدن خراسان والمشرق بالمناظرات والدروس والتآليف، وغضبوا غضبة مضرية لابن عبد السلام فقاموا على الأشرف الأيوبي فأرجعوه إلى الحق خجلا، مستغفرا مما وقع منه في حق ابن عبد السلام من الجهل، وقاموا عليه بدمشق لما جهر ببعض شواذه فناظروه فأفحموه وردوا عليه بالتآليف فأجادوا وصدر في قمعه مرسوم السلطان محمد بن قلاوون، واحتمى بالأمراء لما طلب إلى مصر لمناظرته ومحاكمته فيما صدر منه فلم يحضر عند قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف، وقد حقق إحدى علامتي سلفه الخوارج وهي حمل الآيات الواردة في الكفار على المسلمين، والثانية وهي قتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان وجدت فيه بالقوة، فلو وجد أنصارا يحاربون معه لاستحل دماء المالكية والشافعية والحنفية وفضلاء الحنابلة، وقد استعاض عنها لما فقدها بالبضاعة التي لا يرتكبها إلا سفلة الناس، وهي السب والقذف والتكفير.
فحول المحدثين من بعد أبي الحسن الأشعري إلى عصرنا هذا أشاعرة، وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك وفرق هذه البضاعة في كتبه ورسائله تضليلا ملبسا على العامة وأشباههم بالسلف متقولا عليهم وعلى الأشعري وأتباعه، وفحول المحدثين من بعد أبي الحسن إلى عصرنا هذا أشاعرة وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك.
ومن خصائص هذه الأمة المرحومة وتميزها عن جميع الأمم كثرة علمائها ومؤلفيها فلا تجد عالما محققا أو فقيها مدققا إلا وهو أشعري أو ماتريدي، وتآليفهم في العلوم المتنوعة من تفسير وحديث وأصول وفروع وغيرها شاهدة لهم، ولا تجد نفاجا مهذارا من المتأخرين إلا وهو سارق من درهم متشبع به، نعوذ بالله من نكران الجميل، لم يسجل التاريخ لمجسم أنه ناظر قدريا أو دهريا أو كتابيا، كما سجل للأشعرية والماتريدية ذلك، ولم يسجل للمجسمة أنهم ألفوا كتبا مبسوطة مبرهنة في الرد على مخالفيهم