التوسل وجهلة الوهابيين قلنا في العدد السابق: إنه لا بأس أن نتوسل بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ونستغيث به في حياته وبعد مماته، لأن التوسل إنما هو بمنزلته عند الله، وهي ثابتة له في الدنيا والآخرة، والمطلوب منه هو الله تعالى، على أنا لو طلبنا من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتشفع لنا عنده تعالى لصح عقلا ونقلا، فإنه يمكنه وهو في البرزخ أن يسأل الله لنا كنا كان يسأله في حياته.
وقد قلنا إن الأرواح بعد الموت باقية فاهمة مدركة، بل نقلنا عن إمامهم ابن القيم إن للروح بعد مفارقة الجسد أعمال تعملها (في هذا العالم) لا يمكنها أن تعملها حال اتصالها بالبدن إلى آخر ما نقلناه عنه، وهو معقول جدا، فإن الأرواح لم تستمد قوتها من الأشباح حتى تذهب قواها وخصائصها بمفارقتها، بل الأشباح هي التي تستمد حياتها وأفاعيلها من الأرواح، فما هذا الاشتباه الذي أدى إلى قلب الحقائق ومصادمة المعقول والمنقول؟، على أن تخصيص الجواز بالحي دون الميت أقرب إلى إيقاع الناس في الشرك، فإنه يقتضي أن للحي فعلا يستقل به دون الميت، فأين هذا من قولنا إن الفعل في الحقيقة لله لا للحي ولا للميت؟.
ومن أمعن النظر في كلامهم لم يفهم منه إلا مذهب المعتزلة في الأحياء ومذهب الذين يئسوا من أصحاب القبور في الأموات، وعلى كل حال فالغفلة عن الفاعل الحقيقي وتخيل أن الفاعل غيره أظهر في الأحياء منه في الأموات.
وقد نقلنا لك كلام الشوكاني = وهو من أئمتهم = في التوسل ورده على العز ابن عبد السلام في تخصيص جواز ذلك بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال: إنه لا فرق بينه وبين غيره.
ولنقل على سبيل التنزل عسى أن ينقطع النزاع بيننا وبينهم: لماذا لا تجعلون التوسل بالولي أو النبي توسلا بعمله الصالح؟ فإنك تتوسل بالولي من حيث هو ولي