أن هذه القبة وإن بناها قلاوون الصلاحي إلا أنه تبع في بنائه أصحاب النبي (ص) الذين دفنوه في حجرة مبنية ثم بنتها عائشة وعمر وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وتتابع المسلمون في بنائها وفيهم التابعون وتابعو التابعين وعلماء الأمة وأئمة الملة وكانوا يستشيرون العلماء والأئمة في ذلك بل تكتب إليهم العلماء وتطلب منهم ذلك كما عرفته في تضاعيف ما ذكرناه من تاريخ بناء الحجرة من مبدئه إلى منتهاه وبذلك تعلم أنها أمور دليلية لا دولية كما زعم. فتحصل من مجموع ما ذكرناه أن تعظيم قبر النبي " ص " وقبور سائر الأنبياء ببناء القباب عليها وعمل الشباك والكسوة وغير ذلك مما يأتي راجح شرعا لا مانع منه ولا يعد عبادة لها كما توهمه الوهابية لأنها مما أمر الله بتعظيمه فتعظيمها عبادة لله وطاعة له كما بيناه في فصل مطلق تعظيم القبور (أما) باقي ما اشتملت عليه الفتوى من اتخاذ القبور مساجد وإسراجها والتمسح والطواف بها وتقبيلها فسيأتي الكلام عليها في الفصول الخاصة بها وأما الذبح والنذر ودعاء أهلها فقد مر الكلام عليها كل في فصله الخاص به وأما التوجه إلى حجرة النبي (ص) عند الدعاء فمر الكلام عليه في آخر فصل التوسل وأما التذكير والترحيم في الأوقات المذكورة فمر عليه الكلام في الباب الأول.
* الفصل العاشر في الكتابة على القبور * وهذا مما منعه الوهابية محتجين بما رواه ابن ماجة عن عبد الله بن سعيد عن حفص بن غياث عن ابن جريح عن سليمان بن موسى عن جابر نهى رسول الله (ص) أن يكتب على القبور شئ وبما مر في الفصل التاسع من رواية الترمذي نهى رسول الله " ص " أن تجصص القبور وأن يكتب عليها ورواية أبي داود أنه " ص " نهى أن يجصص القبر أو يكتب عليه ورواية النسائي نهى رسول " ص " أن يبنى على القبر إلى قوله: أو يكتب عليه.
والجواب (أولا) بضعف السند فحديث ابن ماجة في سنده حفص بن غياث وابن جريح وقد علمت حالهما في الفصل التاسع وفيه سليمان بن موسى عن جابر وهو مرسل (قال ابن حجر) في تهذيب التهذيب أرسل سليمان بن موسى عن جابر وقال ابن معين سليمان بن موسى عن جابر مرسل وقال أبو حاتم في حديثه بعض الاضطراب وقال البخاري عنده مناكير وقال النسائي ليس بالقوي في الحديث وقال في حديثه شئ " انتهى " وباقي الأحاديث قد عرفت حالها في الفصل التاسع والحاكم وإن صحح بعضها كما ستعرف فالجرح مقدم على التعديل فهذا حال الأحاديث التي يعتمد عليها الوهابية في مخالفة سيرة المسلمين