فدك إلى أولاد فاطمة تورعا ثم تتابع ملوك الإسلام وأمراؤهم في بناء الحجرة الشريفة والقبة المنيفة جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر وخلفا عن سلف متقربين بذلك إلى الله راجين ثوابه مفتخرين به أمام رعاياهم وكان في أعصارهم وفي المدينة المنورة من العلماء والصلحاء وأهل الفضل والدين ما لا يحصى عددهم ولم يسمع من أحد أنه لامهم على هذا الفعل أو خطأهم فيه أو منعهم منه من العلماء الذين كانت لهم الكلمة النافذة عند الملوك والأمراء وليس ترك ذلك شيئا مخلا بسلطنتهم وسياستهم للملك حتى يخافهم العلماء فيه بل هو أمر ديني محض لا يخالفهم فيه ملك ولا أمير ولا يخرج قصد الملوك والأمراء في ذلك عن أحد أمرين طلب الثواب منه تعالى والفخر عند الناس وكل ذلك لا يتم لهم مع نهي العلماء عنه وتحريمه فإذا لم يكن هذا الأمر الذي اتفق عليه الصحابة من صدر الإسلام والتابعون وتابعو التابعين وعلماء المسلمين وعامتهم وملوكهم وصعاليكهم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل قطعيا ولا إجماعيا ففي أي حكم في الشريعة يمكن دعوى القطع والإجماع وإذا لم يكن السلف قدوة في مثل هذا ففي أي شئ يقتدى بهم ويقول المرء عن نفسه أنه سلفي على عادة الوهابيين.
" رابعها " إن حرمة قبور الأنبياء والصلحاء بل كل مسلم وفضلها وشرفها وبركتها ملحق بالضروريات عند الصحابة والتابعين وتابعيهم وجميع المسلمين لا يرتاب في ذلك أحد كما سيأتي في الفصل الثالث عشر وإذا كان لها حرمة ومنزلة وشرف وبركة عند الله تعالى وجب أو رجح فعل كل ما يوجب احترامها وتعظيمها من زيارتها والبناء عليها وحفظها عن دوس الإقدام وروث الدواب والكلاب وغير ذلك لأن ذلك من تعظيم شعائر الله وحرماته وحرم كل ما يوجب إهانتها واحتقارها وامتهانها من هدمها وهدم حجرها وقبابها وجعلها معرضا لوطأ الأقدام وروث الدواب والكلاب ووقوع القاذورات فإن ذلك كله لا شك أنه إهانة لها ولأهلها فإذا ثبت ذلك وجب طرح كل حديث ناه عن البناء على القبور أو آمر بهدمها لو فرض وجوده أو تخصيصه بغير قبور الأنبياء والأولياء والعلماء والصلحاء لأن ذلك إهانة لهم وقد دل العقل والنقل على حرمة إهانتهم ووجوب تعظيمهم أحياء وأمواتا. " لا يقال " إنما يكون تعظيم تلك القبور راجحا لو لم يكن كفرا وشركا بكونه عبادة لها كعبادة الأصنام " لأنا نقول " بعد ما ثبت أن لها شرفا وحرمة عند الله تعالى بما