العقل وإن كان الترديد بين المعاني المجازية فقط فأين حقيقة الاستواء التي أثبتناها. وإذا كان قول الإمام مالك عند هؤلاء قدوة وحجة في مثل هذه المسألة الغامضة فلم لم يقتدوا بقوله فيما هو أوضح منها وأهون وهو رجحان استقبال القبر الشريف والتوسل بصاحبه عند الدعاء حسبما أمر به مالك المنصور فيما مرت الإشارة إليه. " وكذا " الاعتقاد باليدين والعينين والوجه بدون الكيف فإن كانت بمعانيها الحقيقة لزم اعتقاد المحال لاستحالة المعاني الحقيقية بدون الكيف ومع الكيف يلزم التجسيم فلا بد من المجاز والتأويل والقرينة حكم العقل. وكذا بأنه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ويجئ يوم القيامة ويقرب من خلقه إن كان بمعانيها الحقيقية لزم التجسيم فلا بد من المجاز والتأويل لعين ما مر. قوله: فمن شبه الله بخلقه كفر، قلنا: إثبات حقيقة هذه الأشياء هي تشبيه له بخلقه فتكون كفرا لعدم إمكان إثباتها بدون التشبيه كما عرفت. قوله: ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر، قلنا: جحود الصفة والإقرار بها حكم عليها والحكم على الشئ فرع معرفته فيلزم أولا أن نعرف ما أريد بهذا اللفظ هل هو معناه الحقيقي أو المجازي لنعرف ما وصف به نفسه فنقر به وإذا كان المعنى الحقيقي يستحيل إرادته كما بينا فلا يكون مما وصف به نفسه فلا يكون جحوده كفرا.
ومن هنا تعلم فساد ما حكي عن محمود شكري الآلوسي في تاريخ نجد من أن الوهابيين يقرون آيات الصفات والأحاديث على ظاهرها ويكلون معناها إلى الله تعالى " انتهى " فإن إقرارها على ظاهرها يناقض إيكال معناها إلى الله كما هو واضح بل إيكالها إليه تعالى عبارة عن التوقف وعدم الحكم ببقائها على ظاهرها أما قول عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية (1) أنه لا يلزم أن نكون مجسمة وأن قلنا بجهة العلو لأن لازم المذهب ليس بمذهب ففيه أن كون لازم المذهب ليس بمذهب إن صح فمعناه أن من ذهب إلى القول بشئ لا يجب أن يكون قائلا بلازمه إلا أنه إذا كان هذا اللازم باطلا كان ملزومه الذي ذهب إليه باطلا