تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ١٤٨
تعالى فلعل أبا بكر ومن معه استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتله فأجاب بذلك بمعنى أن هذا من الأحكام الشرعية التي لم ينزل الوحي بها وأمرها إلى الله تعالى وحده والنبي صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله تعالى فلم يكن يسأل ربه تغيير حكم من الأحكام الشرعية ولا يفعل فيها إلا ما يأمره به فيكون قوله لا يستغاث بي عاما مخصوصا أي لا يستغاث بي في هذا الأمر لأنه مما يستأثر الله تعالى به ولا شك أن من أدب السؤال أن يكون المسؤول ممكنا فكما إنا لا نسأل الله تعالى إلا ما هو في ممكن القدرة الإلهية كذلك لا نسأل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما يمكن أن يجيب إليه (والثاني) أن يكون ذلك من باب قوله ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم أي أنا وإن استغيث بي فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى وكثيرا ما تجئ السنة بنحو هذا من بيان حقيقة الأمر ويجئ القرآن بإضافة الفعل إلى مكتسبه كقوله صلى الله عليه وسلم لن يدخل أحدا منكم الجنة عمله مع قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وقال صلى الله عليه وسلم لعلي لأن يهدي الله بك رجلا واحدا فسلك الأدب في نسبة الهداية إلى الله تعالى وقد قال تعالى وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا فنسب الهداية إليهم وذلك على سبيل الكسب ومن هذا قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وأما قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت فالأحسن أن يكون المراد به التسلية والحمل عن قلب النبي صلى الله عليه وسلم في عدم إسلام عمه أبي طالب فكأنه قد قيل أنت وفيت بما عليك وليس عليك خلق هدايته لأن ذلك ليس إليك فلا تذهب نفسك عليه * وبالجملة إطلاق لفظ الاستغاثة بالنسبة لمن يحصل منه غوث إما خلقا وإيجادا وإما تسببا وكسبا أمر معلوم لا شك فيه لغة وشرعا ولا فرق بينه وبين السؤال فتعين تأويل الحديث المذكور وقد قيل إن في البخاري في حديث الشفاعة يوم القيامة فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو حجة
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»