بنى ابن تيمية رحمه الله كلامه عليهما أما الشبهة الثانية وهي كون هذا ليس مشروعا وأنه من البدع التي لم يستحبها أحد من العلماء لا من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم فقد قدمنا سفر بلال من الشام إلى المدينة لقصد الزيارة وأن عمر بن عبد العزيز كان يجهز البريد من الشام إلى المدينة للسلام على النبي عليه الصلاة والسلام وأن ابن عمر كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم وكل ذلك يكذب دعوى أن الزيارة والسفر إليها بدعة ولو طولب ابن تيمية رحمه الله بإثبات هذا النقي العام وإقامة الدليل على صحته لم يجد إليه سبيلا فكيف يحل لذي علم أن يقدم على هذا الأمر العظيم بمثل هذه الظنون التي مستنده فيها أنه لم يبلغه وينكر به ما أطبق عليه جميع المسلمين شرقا وغربا في سائر الأعصار مما هو محسوس خلفا عن خلف ويجعله من البدع فإن قال إن الذي كان يفعله السلف من النوع الأول وهو السلام والدعاء له دون النوع الثاني والثالث قلنا أما الثالث فلا استرواح إليه لأنا نبعد كل مسلم منه وأما النوع الأول والثاني فدعوى كون السلف كلهم كانوا مطبقين على النوع الأول وأنه شرعي وكون الخلف كلهم مطبقين على الثاني وأنه بدعة من التخرص الذي لا يقدر على إثباته فإن المقاصد الباطنة لا يطلع عليها إلا الله تعالى فمن أين له أن جميع السلف لم يكن أحد منهم يقصد التبرك أو أن جميع الخلف لا يقصدون إلا ذلك ثم إنه قال فيما سنحكيه من كلامه أن أحدا لا يسافر إليها إلا لذلك يعني لاعتقاده أنها قربة وأنه متى كان كذلك كان حراما ولا شك أن بلالا وغيره من السلف وإن سلمنا أنهم ما قصدوا إلا السلام فإنهم يعتقدون أن ذلك قربة فلو شعر ابن تيمية رحمه الله أن بلالا وغيره من السلف فعل ذلك لم ينطق بما قال ولكنه قام عنده خيال أن هذه الزيارة فيها نوع من الشرك ولم يستحضر أن أحدا فعلها من السلف فقال ما قال وغلط رحمه الله فيما حصل له من الخيال وفي عدم الاستحضار ودعواه أنه لو نذر ذلك لم يجب عليه الوفاء به بلا نزاع من الأئمة نحن
(١٠٩)