تطهير الفؤاد - الشيخ محمد بخيت الحنفي - الصفحة ١٠٣
في غير هذا الباب ما يبين أن فرض المسألة في قصد المساجد فيحمل كلام أبي محمد عليه أما قصد الأغراض الصحيحة في المساجد وغيرها من الأمكنة من الزيارة والاشتغال بالعلم والجهاد وغيرها فلم يتكلم فيه أبو محمد ولا يجوز أن ينسب إليه المنع منه ولو قاله هو أو غيره ممن يقبل كلامه الغلط لحكمنا بغلطه وأنه لم يفهم مقصود الحديث لكنه بحمد الله لم يثبت عندنا أنه قال ذلك ولا نقله عنه أحد غير ما وقع في شرح مسلم من التمثيل على سبيل السهو والغفلة ولهذا أجللنا مالكا رحمه الله عن أن يستدل بالحديث على هذا المقصود وأوجبنا تأويل كلامه على إرادة البقعة لعينها وهكذا القاضي عياض فإنه قال في الإكمال قوله عليه الصلاة والسلام لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد فيه تعظيم هذه المساجد وخصوصها بشد الرحال إليها لأنها مساجد الأنبياء عليهم السلام ولفضل الصلاة فيها وتضعيف أجرها ولزوم ذلك لمن نذره بخلاف غيرها مما لا يلزم ولا يباح شد الرحال إليها لا لناذر ولا لمتطوع بهذا النهي إلا ما ألحقه محمد بن مسلمة من مسجد قباء وهذا الكلام من القاضي عياض ليس فيه تعرض لزيارة الموتى أصلا ولا يجوز أن ينقل ذلك عنه بتصريح ولا بإشارة وإنما أشار به إلى غير الثلاثة من المساجد (فإن قلت) قد قال ابن قدامة الحنبلي في (كتاب المغني) فصل فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل لا يباح له الترخص لأنه منهى عن السفر إليها قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد والصحيح إباحته وجواز القصر فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء ماشيا وراكبا وكان يزور القبور وقال زوروها تذكركم الآخرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد فيحمل على نفي الفضيلة لا على التحريم وليست الفضيلة شرطا في إباحة القصر ولا يضر انتفاؤها (قلت) قد وقفت على كلام ابن قدامة المذكور وترجمته بالسفر لزيارة القبور والمشاهد ولم أقف على كلام ابن عقيل فإن كان في المشاهد أو في
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»