والضراء، كما أراد له الله سبحانه أن يكون: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " (1).
وبلغ من زهده وتقشفه أن أزواجه رضي الله عنهن لم يطقن في بداية الأمر ما تعرضن له من مشقة وضيق فأجمعن على مطالبته أن يوسع عليهن في النفقة، فأبى، وامتنع عن الخروج إلى الناس حتى عز ذلك على الصحابة، فاستأذن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يأذن، ثم استأذنا فأذن.
وحين علما بما كان من مطالبهن قام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟!
فنهاهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده.
ثم أنزل الله عز وجل الخيار: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) (2).
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة - رضي الله عنها وكانت أحب أزواجه إليه - فقال: إني أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك. قالت: وما هو؟ قال: فتلا عليها: (يا أيها النبي قل لأزواجك...) قالت: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله ورسوله!
ثم عرض مثل ذلك على سائر نسائه فما اختارت منهن واحدة الدنيا وزينتها، بل اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستقام الأمر بعد ذلك على هذا، فما رغبن عن الآخرة، ولا أسفن على الدنيا حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى. رضي الله عنهن.