إليه الضرورة، وهو أمر قد ذاعت شهرته، وعرف عنه لدرجة تدعو إلى العجب والتأمل!!
عن عروة عن عائشة أنها كانت تقول: " والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. قلت: يا خالة فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، وكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا " (1).
ولم يكن تقشفه عن فقر وقلة مال، فقد فتح له من الأرض، وجاءته الغنائم وكثرت لديه الأموال، وشبع أفقر الناس، وفاضت يداه بالعطاء السخي عن جابر رضي الله عنه: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا) (1) وعن أنس رضي الله عنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل يسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها) (2).
لقد اختار لنفسه ولأهله هذا النمط الفريد من الحياة زهدا في الدنيا وزينتها، وإيمانا بأن متاعها قليل، وأن الآخرة خير لمن اتقى، ورغبة فيما أعده الله لعباده المتقين، وليكون بيته صلوات الله وسلامه عليه منارة يهتدي بها المسلمون إلى يوم القيامة، يجد فيها الفقراء عزاء لما يواجهون من ضيق وحرمان، مهما بلغ فلن يصل إلى ما كان عليه حال النبي صلى الله عليه وسلم.
وأزواجه الطيبات الطاهرات، ويجد فيها الأغنياء والمنعمون داعيا إلى التخفيف من المغريات والتقليل من الانغماس في الملذات، وعدم الاغترار بالشهوات، وليكون النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة لأمته في الغنى والفقر وفي السراء