لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلة لذكرى أبيه الشهيد الذي لم يبق من ولده سواه، وازداد هو إقبالا على العلم واشتغالا بالعبادة حتى لقب زين العابدين، وكان يكنى بأبي الحسين.
ومما يدل على مكانة زين العابدين في عصره أنه لما حج هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد أراد أن يستلم الركن فلم يستطع من الزحام فنصب له منبر فاستلمه، وقام أهل الشام حوله فجاء زين العابدين ليستلم الحجر فأوسع له الناس إجلالا له واحتراما، وكان في بزة حسنة وهيئة حسنة وشكل مليح فقال أهل الشام لهشام من هذا؟ فقال لا أعرفه. فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه، وأنشد:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * * والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم * * هذا التقي النقي الطاهر العلم إذا رأته قريش قال قائلها * * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم يغضي حياء ويغضى من مهابته * * فما يكلم إلا حين يبتسم مشتقه من رسول الله نبعته * * طابت عناصرها والخيم والشيم هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * * بجده أنبياء الله قد ختموا كلتا يديه غياث عم نفعهما * * تستوكفان ولا يعروهما عدم ما قال لا قط إلا في تشهده * * لولا التشهد كانت لاءه نعم من معشر حبهم دين وبغضهم * * كفر وقربهم منجى ومعتصم مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * * في كل حكم ومختوم به الكلم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم فليس قولك من هذا بضائره * * العرب تعرف من أنكرت والعجم تمسكه بالكتاب والسنة..
كان زين العابدين شديد التمسك بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، وما كان عليه جده علي بن أبي طالب وأبوه الحسين الشهيد رضي الله عنهما، لا يحيد عنه قيد أنمله في عقيدة أو عبادة أو عمل، كثير التبتل والورع، أشفقت