زهده وعبادته:
كان علي بن الحسين عابدا زاهدا وفيا جوادا منيبا أجمع معاصروه أنه كان أعبد الناس، روى أبو نعيم في الحلية: حدثنا العتبي قال حدثنا أبي قال: كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه أخذته رعدة ونفضة فقيل له في ذلك فقال:
ما تدرون بين يدي من أقوم، ومن أناجي.
وكان كثير الصيام والقيام، سئلت جارية له عنه فقالت: ما أتيته بطعام نهارا قط، وما فرشت له فراشا بليل قط.
وقال طاووس: رأيت رجلا يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه، فجئته حين فرغ فإذا هو علي بن الحسين، فقلت: يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيتك على حالة كذا ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف أحدها أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني شفاعة جدك، والثالث رحمة الله.
فقال: يا طاووس أما أني ابن رسول الله فلا يؤمنني، وقد سمعت الله يقول:
(فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) وأما شفاعة جدي صلى الله عليه وسلم فلا تؤمنني لأن الله تعالى يقول (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) وأما رحمة الله فإن الله تعالى يقول إنها (قريب من المحسنين) ولا أعلم أني محسن.
وبلغ من ورعه أنه قال فيما روي عنه أنه قال: (والله إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسئ منا وزرين).
وكان يصلي في اليوم والليلة فيما روي ألف ركعة، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا ما كان عليه جده صلى الله عليه وسلم من كثرة القيام، وما كان عليه والده من التقى والورع وما كان يحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم آل بيته وأمته من كثرة السجود، فقد روى مسلم في صحيحه عن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود.) وقد أطلق سعيد بن المسيب على علي بن الحسين لقب زين العابدين، وقال عنه ابن تيمية: علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلو أخلاق.