شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٦٢
كما شاءه وأراده ثم ختم هذه الحجة بإخباره أن ملكوت كل شيء بيده فيتصرف فيه بفعله وقوله * (وإليه ترجعون) * ومن هذا قوله سبحانه * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) * فاحتج سبحانه على أنه لا يتركه مهملا عن الأمر والنهي والثواب والعقاب وأن حكمته وقدرته تأبى ذلك أشد الإباء كما قال تعالى * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) * إلى آخر السورة فإن من نقله من النطفة إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم شق سمعه وبصره وركب فيه الحواس والقوى والعظام والمنافع والأعصاب والرباطات التي هي أشده وأحكم خلقه غاية الاحكام وأخرجه على هذا الشكل والصورة التي هي أتم الصور وأحسن الأشكال كيف يعجز عن إعادته وإنشائه مرة ثانية أم كيف تقتضي حكمته وعنايته أن يتركه سدى فلا يليق ذلك بحكمته ولا تعجز عنه قدرته فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب بالقول الوجيز الذي لا يكون أوجز منه والبيان الجليل الذي لا يتوهم أوضح منه ومأخذه القريب الذي لا تقع الظنون على أقرب منه وكم في القرآن من مثل هذا الاحتجاج كما في قوله تعالى * (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة) * إلى أن قال * (وأن الله يبعث من في القبور) * وقوله تعالى * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * إلى أن قال * (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون) * وذكر قصة أصحاب الكهف وكيف أبقاهم موتى ثلاثمائة سنة شمسية وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية وقال فيها * (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) *
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»