شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٤٦١
وهي رميم ثم اكد الأمر بحجة قاهرة وبرهان ظاهر يتضمن جوابا عن سؤال ملحد آخر يقول العظام إذا صارت رميما عادت طبيعتها باردة يابسة والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعة حارة رطبة بما يدل على امر البعث ففيه الدليل والجواب معا فقال * (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) * فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتليء بالرطوبة والبرودة فالذي يخرج الشيء من ضده وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها ولا تستعصي عليه هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه من إحياء العظام وهي رميم ثم أكد هذا بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم على الأيسر الأصغر فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر فمن قدر على حمل قنطار فهو على حمل أوقية أشد اقتدارا فقال * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) * فأخبر أن الذي أبدع السماوات والأرض على جلالتهما وعظم شأنهما وكبر أجسامها وسعتهما وعجيب خلقهما أقدر على أن يحيى عظاما قد صارت رميما فيردها إلى حالتها الأولى كما قال في موضع آخر * (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * وقال * (أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم) * ثم أكد سبحانه ذلك وبينه ببيان آخر وهو أنه ليس فعله بمنزلة غيره الذي يفعل بالآلآت والكلفة والنصب والمشقة ولا يمكنه الاستقلال بالفعل بل لا بد معه من آله ومعين بل يكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه ويكونه نفس إرادته وقوله للمكون كن فإذا هو كائن
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»