جديدا وللحجة تقدير آخر وهو لو كنتم من حجارة أو حديد أو خلق أكبر منهما فإنه قادر على أن يفنيكم ويحيل ذواتكم وينقلها من حال إلى حال ومن يقدر على التصرف في هذه الأجسام مع شدتها وصلابتها بالإفناء والإحالة فما الذي يعجزه فيما دونها ثم أخبر أنهم يسألون آخر بقولهم من يعيدنا إذا استحالت جسومنا وفنيت فأجابهم بقوله * (قل الذي فطركم أول مرة) * فلما أخذتهم الحجة ولزمهم حكمها انتقلوا إلى سؤال آخر يتعللون به بعلل المنقطع وهو قولهم * (متى هو) * فأجيبوا بقوله * (عسى أن يكون قريبا) * ومن هذا قوله * (وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم) * إلى آخر السورة فلو رام أعلم البشر وأفصحهم وأقدرهم على البيان أن يأتي بأحسن من هذه الحجة أو بمثلها بألفاظ تشابه هذه الألفاظ في الإيجاز ووضح الأدلة وصحة البرهان لما قدر فإنه سبحانه افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد اقتضى جوابا فكان في قوله * (ونسي خلقه) * ما وفى بالجواب وأقام الحجة وأزال الشبهة لما أراد سبحانه من تأكيد الحجة وزيادة تقريرها فقال * (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) * فاحتج بالإبداء على الإعادة وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى إذ كل عاقل يعلم ضروريا أن من قدر على هذه قدر على هذه وأنه لو كان عاجزا عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق وعلمه بتفاصيل خلقه اتبع ذلك بقوله * (وهو بكل خلق عليم) * فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته ومواده وصورته فكذلك الثاني فإذا كان تام العلم كامل القدرة كيف يتعذر عليه أن يحيى العظام
(٤٦٠)