النقيضين ورفعهما رفع النقيضين وتقديم العقل ممتنع لان العقل قد دل على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فلو أبطلنا النقل لكنا قد أبطلنا دلالة العقل ولو أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضا للنقل لان ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه فلا يجوز تقديمه وهذا بين واضح فإن العقل هو الذي دل على صدق السمع وصحته وأن خبره مطابق لمخبره فان جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلا صحيحا وإذا لم يكن دليلا صحيحا لم يجز أن يتبع بحال فضلا عن أن يقدم فصار تقديم العقل على النقل قدحا في العقل فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل نسميه معقولا أو نحمله شبهة أو شكا أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم فنوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما نوحد المرسل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله الا بهما توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا نحاكم إلى غيره ولا نرضى بحكم غيره ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره وإلا حرفه عن مواضعه وسمى تحريفه تأويلا وحملا فقال نؤوله ونحمله فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خيرا له من أن يلقاه بهذه الحال بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل يسوغ أن يؤخر قبوله
(٢١٧)