شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢١٥
رسوله عن مواضعه فالتأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاءت به السنة والفاسد المخالف له فكل تأويل لم يدل عليه دليل من السياق ولا معه قرينة تقتضيه فإن هذا لا يقصده المبين العادي بكلامه إذ لو قصده لحف بالكلام قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ فان الله أنزل كلامه بيان وهدى فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم يحف به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد لم يكن بيانا ولا هدى فالتأويل إخبار بمراد المتكلم لا إنشاء وفي هذا الموضع يغلط كثير من الناس فإن المقصود فهم مراد المتكلم بكلامه فإذا قيل معنى اللفظ كذا وكذا كان إخبارا بالذي عنى المتكلم فإن لم يكن الخبر مطابقا كان كذبا على المتكلم ويعرف مراد المتكلم بطرق متعددة منها أن يصرح بإرادة ذلك المعنى ومنها أن يستعمل اللفظ الذي له معنى ظاهر بالوضع ولا يبين بقرينة تصحب الكلام أنه لم يرد ذلك المعنى فكيف إذا حف بكلامه ما يدل على أنه إنما أراد حقيقته وما وضع له كقوله * (وكلم الله موسى تكليما) * إنكم ترون ربكم عيانا كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب فهذا مما يقطع به السامع له بمراد المتكلم فإذا أخبر عن مراده بما دل عليه حقيقة لفظه الذي وضع له مع القرائن المؤكة كان صادقا في إخباره وأما إذا تأول الكلام بما لا يدل عليه ولا اقترن به ما يدل عليه فإخباره بأن هذا مراده كذب عليه وهو تأويل بالرأي وتوهم بالهوى وحقيقة الامر أن قول القائل نحمله على كذا أو نتأوله بكذا إنما هو من باب دفع دلالة اللفظ عما وضع له فان منازعه لما احتج
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»