شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ١٨٣
هذا الحديث إثبات صفة الكلام وإثبات الرؤية واثبات العلو وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحدا وقد قال تعالى * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم) * فأهانهم بترك تكليمهم والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم وهو الصحيح إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النار * (اخسؤوا فيها ولا تكلمون) * فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلا وقال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أحاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى وتكليمه لهم فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به وأما استدلالهم بقوله تعالى * (الله خالق كل شيء) * والقرآن شيء فيكون داخلا في عموم كل فيكون مخلوقا فمن أعجب العجب وذلك أن أفعال العباد كلها عندهم غير مخلوقة لله تعالى وانما يخلقها العباد جميعها لا يخلقها الله فأخرجوها من عموم كل وأدخلوا كلام الله في عمومها مع أنه صفة من صفاته به تكون الأشياء المخلوقة إذ بأمره تكون المخلوقات قال تعالى * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر) * ففرق بين الخلق والامر فلو كان الامر مخلوقا للزم أن يكون مخلوقا بأمر آخر والآخر بآخر إلى ما لا نهاية له فيلزم التسلسل وهو باطل وطرد باطلهم أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة كالعلم والقدرة وغيرهما وذلك صريح الكفر فإن علمه شيء وقدرته شيء وحياته شيء فيدخل ذلك في عموم كل فيكون مخلوقا بعد أن لم يكن تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»