لذاته لأن من ضرورة وجوب الوجود امتناع العدم أزلا وأبدا وبعض المتكلمين لما اقتصروا في البيان على أن لهذا العالم صانعا من غير بيان كونه واجبا أو ممكنا افتقروا إلى إثبات كونه أزليا أبديا فبينوا الأول بأنه لو كان حادثا لكان له محدث ويتسلسل وبأنا سنقيم الدلالة على أن المؤثر في وجود العالم هو الله تعالى من غير واسطة والثاني بأن القديم يمتنع عليه العدم لكونه واجبا أو منتهيا إليه بطريق الإيجاب لأن الصادر بطريق الاختيار يكون مسبوقا بالعدم وقد سبق بيان ذلك قال الفصل الثاني في التنزيهات أي سلب مالا يليق بالواجب عنه وفيه مباحث الأول في نفي الكثرة عنه بحسب الأجزاء بأن يتركب من جزئين أو أكثر وبحسب الجزئيات بأن يكون الموجود واجبين أو أكثر واستدل على نفي التركيب بأن كل مركب يحتاج إلى الجزء الذي هو غيره وكل محتاج إلى غير ممكن لأن ذاته من دون ملاحظة الغير لا يكون كافيا في وجوده وإن لم يكن ذلك الغير فاعلا له خارجا عنه وبأن كل جزء منه إما أن يكون واجبا فيتعدد الواجب وسنبطله أولا فيحتاج الواجب إلى الممكن فيكون أولى بالإمكان وبأنه إما أن يحتاج أحد الجزئين إلى الآخر فيكون ممكنا ويلزم إمكان الواجب أولا فلا يلتئم منهما حقيقة واحدة كالحجر الموضوع بجنب الإنسان واستدل على امتناع تعدد الواجب بوجوه الأول لو كان الواجب مشتركا بين اثنين لكان بينهما تمايز لامتناع الإثنينية بدون التمايز وما به التمايز غير ما به الاشتراك ضرورة فيلزم تركب كل من الواجبين مما به الاشتراك وما به الامتياز وهو محال لا يقال هذا إنما يلزم لو كان الوجوب المشترك مقوما وهو ممنوع لجواز أن يكون عارضا والاشتراك في العارض مع الامتياز بخصوصية لا يوجب التركيب لأنا نقول وجوب الواجب نفس ماهيته إذ لو كان عارضا لها كان ممكنا معللا بها إذ لو علل بغيرها لم يكن ذاتيا وإذا علل بها يلزم تقدمه على نفسه لأن العلة متقدمة على المعلول بالوجود والوجوب وإذا كان الوجوب نفس الماهية كان الاشتراك فيه اشتراكا في الماهية والماهية مع الخصوصية مركبة قطعا فإن قيل لم لا يجوز أن تكون الخصوصية من العوارض قلنا لأنها تكون معللة بالماهية أو بما يقوم بها من الصفات وهو ينافي التعدد المفروض إذ الواجب حينئذ لا يكون بدون تلك الخصوصية أو بأمر منفصل فيلزم الاحتياج المنافي لوجوب الوجود وهذا يصلح أن يجعل دليلا مستقلا بأن يقال لو تعدد الواجب فالتعين الذي به الامتياز إن كان نفس الماهية الواجبة أو معللا بها أو يلازمها فلا تعدد وإن كان معللا بأمر منفصل فلا وجوب بالذات لامتناع احتياج الواجب في تعينه إلى أمر منفصل فلهذا جعل في المتن دليلا ثانيا الثالث لو كان الواجب أكثر من واحد لكان لكل منهما تعين وهوية ضرورة وحينئذ إما أن يكون بين الوجوب والتعين لزوم أو لا فإن لم يكن بل جاز انفكاكهما لزم جواز الوجوب بدون التعين وهو محال لأن كل موجود متعين أو جواز التعين بدون الوجوب وهو
(٦١)