شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٧٦
إليه وكأنه إلزامي وإلا فأكثر الممكنات عند الفلاسفة أثر للغير وإن كانت بالآخرة منتهية إلى الواجب مستندة إليه بالواسطة وهذا لا يوجب كونه الفاعل الثاني الصفة الزائدة إن لم تكن كما لا يجب نفيها عنه لتنزهه عن النقصان وإن كانت يلزم استكماله بالغير وهو يوجب النقصان بالذات فيكون محالا وأجيب بأنا لا نسلم أن مالا يكون كما لا يكون نقصانا وأن مالا يكون عين الشيء يكون غيره بل صفاته لا هو ولا غيره ولو سلم فلا نسلم استحالة ذلك إذا كانت صفة الكمال ناشئة عن الذات دائمة بدوامه بل ذلك غاية الكمال الثالث وهو للمعتزلة أن عالميته واجبة لاستحالة الجهل عليه ولاستحالة افتقاره إلى فاعل يجعله عالما وكذا البواقي والواجب لا يعلل لأن سبب الاحتياج إلى العلة هو الجواز ليترجح جانب الوجود فعالميته مثلا لا تعلل بالعلم بل يكون هو عالم بالذات بخلاف عليتنا فإنها جائزة والجواب بعد تسليم كون العالمية أمرا وراء العلم معللا به كما هو رأي مثبتي الأحوال أن وجوبها ليس بمعنى كونها واجبة الوجود لذاتها ليمتنع تعليلها بل بمعنى امتناع خلو الذات عنها وهو لا ينافي كونها معللة بصفة ناشئة عن الذات فإن اللازم للذات قد يكون بوسط الرابع وهو العمدة الوثقى لنفات الصفات من المليين أنها إما أن تكون حادثة فيلزم قيام الحوادث بذاته وخلوه في الأزل عن العلم والقدرة والحياة وغيرها من الكمالات وصدورها عنه بالقصد والاختيار أو بشرائط حادثة لا بداية لها والكل باطل بالاتفاق وإما أن تكون قديمة فيلزم تعدد القدماء وهو كفر بإجماع المسلمين وقد كفرت النصارى بزيادة قديمين فكيف بالأكثر وأجيب بأنا لا نسلم تغاير الذات مع الصفات ولا الصفات بعضها مع البعض ليثبت التعدد فإن الغيرين هما اللذان يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بمكان أو بزمان أو بوجود وعدم أو هما ذاتان ليست إحداهما الأخرى وتفسيرهما بالشيئين أو الموجودين أو الاثنين فاسد لأن الغير من الأسماء الإضافية ولا إشعار في هذا التفسير بذلك قال صاحب التبصرة وكذا تفسيرهما بالشيئين من حيث أن أحدهما ليس هو الآخر لصدقه على الكل مع الجزء كالعشرة مع الواحد وزيد مع رأسه مع أنه لم يقل أحد بكون الجزء غير الكل إلا جعفر بن حارث من المعتزلة وعد هذا من جهالاته لأن العشرة اسم للمجموع يتناول كل فرد مع أغياره فلو كان الواحد غير العشرة لصار غير نفسه لأنه من العشرة ولن تكون العشرة بدونه وقال أيضا كل الشيء ليس غيره لأن الشيء لا يغاير نفسه وأعجب من هذا ما قال لو كان الغيران هما الاثنين لكان الغير اثنا والاثن ليس بمستعمل والغير مستعمل والقول ما قال إمام الحرمين رحمه الله أن إيضاح معنى الغيرين مما لا يدل عليه قضية عقلية ولا دلالة قاطعة سمعية فلا يقطع ببطلان قول من قال كل شيئين غير أن نعم لا يقطع بالمنع من إطلاق الغيرية في صفات الباري وذاته لاتفاق الأمة على ذلك ثم قال ولا يتحاشى من إطلاق القول بأن الصفات
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»