شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٦٠
المنتهى إلى الواجب تعالى وتقدس ولهذا صرح في كثير من المواضع بأن تلك الآيات إنما هي لقوم يعقلون الثالث أن المقصود بالإرشاد إلى هذه الاستدلالات تنبيه من لم يعترف بوجود صانع يكون منه المبدأ وإليه المنتهى وله الأمر والنهي وكونه ملجأ الكل عند انقطاع الرجاء عن المخلوقات مذكور في بعض المواضع من التنزيل كقوله تعالى * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين) * وكقوله تعالى * (أم من يجيب المضطر إذا دعاه) * وكقوله تعالى * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) * إلى غير ذلك تنبيها على أنه مع ثبوته بالأدلة القطعية والوجوه الإقناعية مشهور يعترف به الجمهور من المعترفين بالنبوة وغيرهم إما بحسب الفطرة أو بحسب التهدي إليه وأجيب بالاستدلالات الخفية على ما نقل الأعرابي أنه قال البعرة تدل على البعير وآثار الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير وخالفت الملاحدة في وجود الصانع لا بمعنى أنه لا صانع للعالم ولا بمعنى أنه ليس بموجود ولا بمعدوم بل واسطة بل بمعنى أنه مبدع لجميع المتقابلات من الوجود والعدم والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان فهو متعال عن أن يتصف بشيء منها فلا يقال له موجود ولا واحد ولا واجب مبالغة في التنزيه ولا خفاء في أنه هذيان بين البطلان قال المبحث الثالث الحق أن الواجب تعالى يخالف الممكنات في الذات والحقيقة إذ لو تماثلا وامتاز كل عن الآخر بخصوصية فمثل الوجوب والإمكان إما أن يكون من لوازم الذات فيلزم اشتراك الكل فيه أو الذات مع الخصوصية فيلزم التركيب المنافي للوجوب الذاتي نعم يشارك ذاته ذات الممكنات بمعنى أن مفهوم الذات أعني ما يقوم بنفسه ويقوم به غيره صادق على الكل صدق العارض على المعروض كما أن وجود الواجب ووجود الممكن مع اختلافهما بالحقيقة يشتركان في مطلق الوجود الواقع عليهما وقوع لازم خارجي غير مقوم فالأدلة المذكورة في اشتراك الوجود من صحة القسمة إلى الواجب والممكن ومن الجزم بالمطلق مع التردد في الخصوصية ومن اتحاد المقابل لا تفيد إلا الاشتراك في مفهوم الذات وصدقه على جميع الذوات من غير دلالة على تماثل الذوات وتشاركها في الحقيقة فما ذهب إليه بعض المتكلمين من أن ذات الواجب تماثل سائر الذوات وإنما تمتاز بأحوال أربعة هي الوجود الواجبي الذي قد يعبر عنه بالوجوب والحياة والعلم التام والقدرة الكاملة أو بحالة خامسة تسمى بالإلهية هي الموجبة لهذه الأربع تنسكا بالوجوه المذكورة غلط من باب اشتباه العارض بالمعروض فإن قيل فكيف لم يلزم المتكلمين القائلين بتماثل وجود الواجب والممكن تركب الواجب قلنا لأن المتصف بالوجوب والمقتضي للوجود هو الماهية المخالفة لسائر الماهيات والوجود زائد عليها قال المبحث الرابع قد يجعل من مطالب هذا الباب أن الصانع أزلي أبدي ولا حاجة إليه بعد إثبات صانع واجب الوجود
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»