شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٥٥
أجسام لطيفة هوائية يتشكل بأشكال مختلفة وتظهر منها أفعال عجيبة منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصي والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء النفس في الفساد والغواية بتذكير أسباب المعاصي واللذات وإنساء منافع الطاعات وما أشبه ذلك على ما قال الله تعالى حكاية عن الشيطان * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم) * قيل تركيب الأنواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة إلا أن الغالب على الشياطين عنصر النار وعلى الآخرين عنصر الهواء وذلك أن امتزاج العناصر قد لا يكون على القرب من الاعتدال بل على قدر صالح من غلبة أحدها فإن كانت الغلبة للأرضية يكون الممتزج مائلا إلى عنصر الأرض وإن كانت للمائية فإلى الماء أو للهوائية فإلى الهواء أو للنارية فإلى النار لا يبرح ولا يفارق إلا بالاختيار أو بأن يكون حيوانا فيفارق بأن الاختيار وليس لهذه الغلبة حد معين بل تختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذا العنصر ولكون الهواء والنار في غاية اللطافة والشفيف كانت الملائكة والجن والشياطين بحيث يدخلون المنافذ والمضائق حتى أجواف الإنسان ولا يرون بحس البصر إلا إذا اكتسبوا من الممتزجات الأخر التي يغلب عليها الأرضية والمائية جلابيب وغواشي فيرون في أبدان كأبدان الناس أو غيره من الحيوانات والملائكة كثيرا ما تعاون الإنسان على أعمال يعجز هو عنها بقوته كالغلبة على الأعداء والطيران في الهواء والمشي على الماء وتحفظه خصوصا المضطرين عن كثير من الآفات وأما الجن والشياطين فيخالطون بعض الأناسي ويعاونونهم على السحر والطلسمات والنيرنجات وما يشاكل ذلك قال ولا يمتنع أن يكتسبوا إشارة إلى دفع إشكالات تورد على هذا المذهب وهي أن الملائكة والجن والشياطين إن كانت أجساما ممتزجة من العناصر يجب أن تكون مرئية لكل سليم الحس كسائر المركبات وإلا لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات هائلة لا نبصرها ولا نسمعها والعقل جازم ببطلان ذلك على ما هو شأن العلوم العادية وإن كانت غلبة اللطيف بحيث لا تجوز رؤية الممتزج يلزم أن لا يروا أصلا وأن تتمزق أبدانهم وتنحل تراكيبهم بأدنى سبب واللازم باطل بما تواتر من مشاهدة بعض الأنبياء والأولياء إياهم ومكالمتهم ومن بقائهم زمانا طويلا مع هبوب الرياح العاصفة والدخول في المنافذ الضيقة وأيضا لو كانوا من المركبات المزاجية لكانت لهم صور نوعية وأمزجة مخصوصة تقتضي أشكالا مخصوصة كما في سائر الممتزجات فلا يتصور التشكل بالأشكال المختلفة وحاصل الجواب منع الملازمات إما على القول باستناد الممكنات إلى القادر المختار فظاهر لجواز أن تخلق رؤيتهم في بعض الأبصار والأحوال دون البعض وأن يحفظ بالقدرة والإرادة تركيبهم وتبديل أشكالهم وإما على القول بالإيجاب فلجواز أن يكون فيهم
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»