في اعتبارهما جميعا ولأن الشيء إنما يكون نفسا بكونه مبدأ الآثار ومكمل النوع ولفظ القوة لا يدل إلا على الأول بخلاف لفظ الكمال ولا شك أن تعريف الشيء بما ينبئ عن جميع الجهات المعتبرة فيه يكون أولى ففي الجملة لما أمكن تفسير النفس بما يعم السماويات والأرضيات ثم تمييز كل بما يخصها وكان ذلك أقرب إلى الضبط أثره في المتن فإن قيل قد ذكروا أن للسماويات حسا وحركة وتعقلا كليا فعلى هذا لا يصلح ذلك مميز الحيوانية والإنسانية قلنا ذكر في الشفاء أن المراد بالحس ههنا ما يكون على طريق الانفعال وارتسام المثال وبالتعقل ما هو شأن العقل الهيولاني والعقل بالملكة وأمر السماويات ليس كذلك قال ثم مقتضى قواعدهم يعني أن مقتضى ما ذكروا من أن كل نفس مبدأ لآثار مخصوصة وأن لكل نوع من الأجسام صورة نوعية هي جوهر حال في المادة وأن البدن الإنساني يتم جسما خاصا ثم تتعلق به النفس الناطقة يقتضي أن يكون في الإنسان نفس هي مبدأ تعقل الكليات وكذا في كل حيوان بخواصه وأخرى مبدأ الحركات والإحساسات وأخرى مبدأ التغذية والتنمية وتوليد المثل لكن ذكر في شرح الإشارات وغيره أن ليس الأمر كذلك بل المركبات منها ما له صورة معدنية يقتصر فعلها على حفظ المواد المجتمعة من الاسطقسات المتضادة بكيفياتها المتداعية إلى الانفكاك لاختلاف ميولها إلى أمكنتها المختلفة ومنها ما له صورة يسمى نفسا نباتية يصدر عنها مع الحفظ المذكور جمع أجزاء أخر من الاسطقسات وإضافتها إلى مواد المركب وصرفها في وجوه التغذية والإنماء والتوليد ومنها ما له صورة يسمى نفسا حيوانية يصدر عنها مع الأفعال النباتية والحفظ المذكور الحس والحركة الإرادية ومنها ما له نفس مجردة يصدر عنها مع الأفعال السابقة كلها النطق وما يتبعه قال وأما عندنا يعني لما لم يثبت عند المتكلمين اختلاف أنواع الأجسام واستناد الآثار إليها ليحتاج إلى فصول منوعة ومبادي مختلفة بنوا إثبات النفس على الأدلة السمعية والتنبيهات العقلية مثل أن البدن وأعضاءه الظاهرة والباطنة دائما في التبدل والتحلل والنفس بحالها وأن الإنسان الصحيح العقل قد يغفل عن البدن وأجزائه ولا يغفل بحال عن وجود ذاته وأنه قدير ما يمانعه البدن مثل الحركة إلى العلو وبالجملة قد اختلفت كلمة الفريقين في حقيقة النفس فقيل هي النار السارية في الهيكل المحسوس وقيل الهواء وقيل الماء وقيل العناصر الأربعة والمحبة والغلبة أي الشهوة والغضب وقيل الاختلاط
(٢٩)