شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٨
صرحوا بأن إطلاق النفس عليهما بمحض اشتراك اللفظ إذ اللفظ الأولي باعتبار أفعال مختلفة والثانية باعتبار فعل مستمر على نهج واحد وأنه لا يتناولهما رسم واحد إذ لو اقتصر على مبدائية فعل ما دخلت صور البسائط والعنصريات وإن اشترط القصد والإرادة خرجت النفس النباتية وإن اعتبر اختلاف الأفعال خرجت الفلكية قلنا مبنى هذا التصريح على المذهب الصحيح وهو أن لكل فلك نفسا وليس للنفوس السماوية اختلاف أفعال وآلات على أنه أيضا موضع نظر لما ذكر في الشفاء من أن النفس اسم لمبدأ صدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة ولا خفاء في أنه معنى شامل لها صالح لتعريفهما على المذهبين لأن فعل النفس السماوية ليس على نهج واحد عادم للإرادة بل على أنهاج مختلفة على رأي وعلى نهج واحد مع الإرادة على الصحيح فإن قيل النفس كما أنها كمال للجسم من حيث أنه بها يتم ويتحصل نوعا كذلك هي صورة له من حيث أنها تقارن المادة فيحصل جوهر نباتي أو حيواني وقوة له من حيث أنها مبدأ صدور أفعاله فلم أؤثر في تعريفهما الكمال على الصورة والقوة وما ذكروا من أنا نجد بعض الأجسام يختص بصدور آثار مختلفة عنها فيقطع بأن ذلك ليس بجسميتها المشتركة بل لمبادىء خاصة نسميها نفسا بل ربما يشعر بأن الأولى ذكر القوة قلنا أما إيثاره على الصورة فلأنها بالحقيقة اسم لما يحل المادة فلا يتناول النفس الإنسانية المجردة إلا بتجوز أو تجديد اصطلاح ولأنها تقاس إلى المادة والكمال إلى النوع ففي تعريف المعنى الذي به يتحصل الجسم فيصير أحد الأنواع ومصدر الأفعال يكون المقيس إلى أمر هو نفس ذلك المتحصل أولى من المقيس إلى أمر بعيد لا يكون هو معه إلا بالقوة ولا ينتسب إليه شيء من الأفاعيل هذا ملخص كلام الشفاء وتقرير الإمام أن المقيس إلى النوع أولى لأن في الدلالة على النوع دلالة على المادة لكونها جزأ منه من غير عكس ولأن النوع أقرب إلى الطبيعة الجنسية من المادة وكان معناه أن النفس تقاس إلى الطبيعة الجنسية المبهمة الناقصة التي إنما تتحصل وتتم نوعا لما ينضاف إليها من الفصل بل النفس فتعريفها بالكمال المقيس إلى النوع الذي هو أقرب إلى الجنس من حيث أنهما متحدان في الوجود لا يتمايزان إلا في العقل بأن أخذ هذا مبهما وذاك متحصلا يكون أولى هذا وقد يتوهم مما ذكره الإمام أن النفس كمال بالقياس إلى أن الطبيعة الجنسية كانت ناقصة وبانضياف الفصل إليها كمل النوع أن الكمال يكون بالقياس إلى الطبيعة الجنسية على ما صرح به في المواقف وحينئذ يكون توسيط النوع وكونه أقرب إلى طبيعة الجنس مستدركا وهو فاسد على مالا يخفى واما إيثاره على القوة فلأنها لفظ مشترك بين مبدأ الفعل كالتحريك ومبدأ القبول والانفعال كالإحساس وكلاهما معتبر في العقل وفي الاقتصار على أحدهما مع أنه إخلال بما هو مدلول النفس استعمال للمشترك في التعريف وكذا
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»