أن اجتهاده في هذه المسئلة وحكمه بعدم القصاص على الباغي أو باشتراط زوال المنعة صواب واجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ليصح له مقاتلتهم وهل هذا إلا كما إذا خرج طائفة على الإمام وطلبوا منه الاقتصاص ممن قتل مسلما بالمثقل قلنا ليس قطعنا بخطأهم في الاجتهاد عائدا إلى حكم المسئلة نفسه بل إلى اعتقادهم أن عليا رضي الله عنه يعرف القتلة بأعيانهم ويقدر على الاقتصاص منهم كيف وقد كانت عشرة آلاف من الرجال يلبسون السلاح وينادون إننا كلنا قتلة عثمان وبهذا يظهر فساد ما ذهب إليه عمرو بن عبيدة وواصل بن عطاء من أن المصيب إحدى الطائفتين ولا نعلمه على التعيين وكذا ما ذهب إليه البعض من أن كلتا الطائفتين على الصواب بناء على تصويب كل مجتهد وذلك لأن الخلاف إنما هو فيما إذا كان كل منهما مجتهدا في الدين على الشرائط المذكورة والاجتهاد لا في كل من يتخيل شبهة واهية ويتأول تأويلا فاسدا ولهذا ذهب الأكثرون إلى أن أول من بغى في الإسلام معاوية لأن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة بل ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبهتهم ولأنهم بعد كشف الشبهة أصروا إصرارا واستكبروا استكبارا قال وفي حرب الخوارج الأمر أظهر لأن الحكمة من نصب الإمام وهي تألف القلوب واجتماع الكلمة كما يحصل بالقتال فقد يحصل بالتحكيم سيما وقد شرط أن يحكم الحكمان بكتاب الله ثم سنة رسول الله وأيضا ورد النص في إصلاح الزوجين بأن يبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وغاية متشبثهم أن الله تعالى أوجب القتال لقوله تعالى * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * فلا يجوز العدول عنه إلى التحكيم والجواب بعد تسليم كون الأمر للفور أو كون الفاء الجزائية للتعقيب أنه إنما أوجب القتال بعد إيجاب الإصلاح وهذا إصلاح فلا يعدل عنه إلى القتال مالم يتعذر فإن قيل يزعمون أن الوقيعة في الصحابة رضي الله عنهم بالطعن واللعن والتفسيق والتضليل بدعة وضلالة وخروج عن مذهب الحق والصحابة أنفسهم كانوا يتقاتلون بالسنان ويتقاولون باللسان بما يكره وذلك وقيعة قلنا مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ وتقرير على قلة التأمل وقصد إلى الرجوع إلى الحق ومقاتلتهم كانت لارتفاع التباين والعود إلى الألفة والاجتماع بعدما لم يكن طريق سواه وبالجملة فلم يقصدوا إلا الخير والصلاح في الدين وأما اليوم فلا معنى لبسط اللسان فيهم إلا التهاون بنقلة الدين الباذلين أنفسهم وأموالهم في نصرته المكرمين بصحبة خير البشر ومحبته قال وأما بعدهم يعني أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالخير موسوما إلا أن العلماء
(٣٠٦)