البيان والتبليغ لما رأوا من معاملة علي رضي الله تعالى عنه على وفقها من غير تغيير فنقول إما توقف علي رضي الله عنه في بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة والحزن بفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتفرغ للنظر والاجتهاد فلما نظر وظهر له الحق دخل فيما دخل فيه الجماعة وأما توقفه عن نصرة عثمان رضي الله تعالى عنه ودفع الغوغاء عنه فلأنه لم يأذن في ذلك وكان يتجافى عن الحرب وإراقة الدماء حتى قال من وضع السلاح من غلماني فهو حر ومع هذا فقد دفع عنه الحسنان رضي الله عنهما ولم ينفع وكان ما كان ولم يكن رضا من علي رضي الله عنه بذلك وإعانة عليه ولهذا قال رضي الله عنه والله ما قتلت عثمان ولا مالأت عليه وتوقف في قبول البيعة إعظاما لقتل عثمان وإنكار أو كذا طلحة والزبير إلا أن من حضر من وجوه المهاجرين والأنصار أقسموا عليه وناشدوه الله في حفظ بقية الأمة وصيانة دار الهجرة إذ قتلة عثمان قصدوا الاستيلاء على المدينة والفتك بأهلها وكانوا جهلة لا سابقة لهم في الإسلام ولا علم لهم بأمر الدين ولا صحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل البيعة وتوقفه عن قصاص قتلة عثمان رضي الله تعالى عنه إما لشوكتهم وكثرتهم وقوتهم وحرصهم بالخروج على من يطالبهم بدمه فاقتضى النظر الصائب تأخير الأمر احترازا عن إثارة الفتنة وإما لأنه رأى انهم بغاة لما لهم من المنعة الظاهرة والتأويل الفاسد حيث استحلوا دمه بما أنكروا عليه من الأمور وأن الباغي إذا انقاد الإمام أهل العدل لا يؤاخذ بما سبق منه من إتلاف أموالهم وسفك دمائهم على ما هو رأي بعض المجتهدين قال وامتناع سعد يعني أن امتناع جماعة سعد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كسعد بن أبي وقاص أو سعيد بن أبي زيد وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وغيرهم عن نصرة علي رضي الله تعالى عنه والخروج معه إلى الحروب لم يكن عن نزاع منهم في إمامته ولا عن إباء عما وجب عليهم من طاعته بل لأنه تركهم واختيارهم من غير إلزام على الخروج إلى الحروب فاختاروا ذلك بناء على أحاديث رووها على ما قال محمد بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا وقعت الفتنة أن أكسر سيفي وأتخذ مكانه سيفا من خشب وروى سعد بن أبي وقاص أنه قال صلى الله عليه وسلم سيكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي وقال صلى الله عليه وسلم قتال المسلم كفر وسبابه فسق ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فلم تأثموا بالقعود عن الحروب قال وأما في حرب الجمل قاتل علي رضي الله تعالى عنه ثلاث فرق من المسلمين على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين فالناكثون هم الذين نكثوا العهد والبيعة وخرجوا إلى البصرة ومقدمهم طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما وقاتلوا عليا رضي الله تعالى عنه بعسكر مقدمهم
(٣٠٤)