أنها لو لم تكن متقارنة في حين ما لكان حصول بعضها بعد آخر فلا يكون قديما إنما يستقيم فيما يتناهى عدده فالعدمات لا تتقارن في حين ما لعدم تناهيها لا لتعاقبها (قال ولولا القصد 3) يريد أن القوم حاولوا بهذا الدليل التصريح بنفي ما ذهب إليه بعض الفلاسفة من قدم الأفلاك بحركاتها بمعنى أن كل حركة مسبوقة بأخرى من غير بداية وبعضهم من أن مواد العالم أجسام صغار أزلية لا تقبل الانقسام بالفعل وهي في الأزل ساكنة يعرض لها الحركة فتتكون المركبات من اجتماعها وبعضهم من أنها متحركة تتصادم فتسكن فتتكون الأفلاك والعناصر وإلا فله تقرير أخصر لا يفتقر إلى بيان أن السكون وجودي وأن الجسم لا يخلوا عن الحركة والسكون فإن للحركة أجزاء مسبوقا بعضها بالبعض وهو أنه لو كان شيء من الأجسام قديما لزم أما كون قديم وأما تعاقب الأكوان من غير بداية وكلاهما محال أما اللزوم فلان حصول الكون للجسم ضروري فإن العقل إذا تصوره وتصور التحيز جزم بثبوته له فإن كان شيء من أكوانه قديما فذاك وإلا كان كل كون مسبوقا بكون آخر لا إلى بداية وهو الأمر الثاني وأما استحالة الأمرين فالأول لما سبق أن كل جسم قابل للحركة من حيز إلى حيز إما بتمامه كما في الحركة المستقيمة أو بأجزائه كما في الحركة المستديرة فيكون كل كون جائز الزوال ولا شيء من جائز الزوال بقديم لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه وينعكس إلى أن ما جاز عدمه انتفى قدمه والثاني لما مر من طريق التطبيق وطريق تضايف السابقية والمسبوقية وغير ذلك (قال الثاني أن الجسم محل للحوادث 2) أي متصف بها بحكم المشاهدة ولا شيء من القديم كذلك لما سيجيء في الإلهيات فإن قيل إن أخذت الصغرى كلية فالمنع ظاهر ودعوى الضرورة باطلة وإن أخذت جزئية لم يقد المط أعني حدوث كل جسم فإن حدوث بعض الأجسام كالمركبات العنصرية مما لا نزاع فيه قلنا توجد كلية وتبين بأن الأفلاك والعناصر كلها تتصف بالحركات والأوضاع الحادثة والعناصر خاصة بالأضواء والأحوال الآخر ويلزم من حدوث البسايط حدوث المركبات منها ضرورة (قال الثالث 3) لا خفاء في أن الجسم بل كل ممكن يحتاج إلى مؤثر ولا بد من الانتهاء إلى الواجب تعالى وسيجئ أنه فاعل بالاختيار وقد سبق أن كل ما هو أثر المختار فهو حادث مسبوق بالقصد إلى إيجاده ولا يكون ذلك إلا حال عدمه وبهذا تثبت حدوث ما سوى الصانع من الجواهر والأعراض وليشكل بصفاته القديمة ولا يتم إلا على من يجعل سبب الاحتياج إلى المؤثر مجرد الإمكان وكذا الرابع إلا أنه لا يتوقف على إثبات كون الصانع مختارا لكن يبتني على المغلطة المشهورة وهي أن تأثير المؤثر في الشيء حال وجوده تحصيل للحاصل وقد عرفت حلها وأما الخامس فهو بعينه الأول إلا أنه بين فيه عدم خلو الجسم عن الحادث بأنه لا يخلو عن مقدار مخصوص أو حيز مخصوص وكل منهما حادث لكونه أثر المختار إذ نسبة
(٣٣١)