المأخذ الثاني بالعكس فمثل الحيوان لتألفه حسا وحقيقة من الأجسام المختلفة وعدم مساواة جزئه الكل في الاسم والحد لا حسا ولا حقيقة كان مركبا بأي تفسير فسر وبأي اعتبار أخذ والماء لعدم تألفه منها والمساواة جزئه الكل فيهما كان بسيطا كذلك والفلك لعدم تألفه منها لا حسا ولا حقيقة وعدم مساواة جزئه الكل كذلك كان بسيطا على التفسير الأول بالاعتبارين مركبا على التفسير الثاني بالاعتبارين والذهب لتألفه من الأجسام المختلفة حقيقة لا حسا ولمساواة جزئه الكل حسا لا حقيقة كان على التفسير الأول مركبا إذا أخذ باعتبار الحقيقة بسيطا إذا أخذ باعتبار الحس وعلى التفسير الثاني بالعكس (قال وليعلم 8) يريد أن أكثر المباحث التي تورد في الأقسام الأربعة من هذا الفصل حكاية عن الغلسة غير مسلمة عند المتكلمين لابتنائها على أصول ثبت فسادها مثل كون الصانع موجبا لا مختارا وأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد أو لم تثبت صحتها مثل كون الأجسام مختلفة بالحقيقة ومركبة من الهيولي والصورة (قال القسم الأول في البسائط الفلكية 6) جعل أول المباحث في أثبات فلك محيط بجميع ما سواه من الأجسام يسمى محدد الجهات وتقرير البرهان أنه قد سبق أن الجهات موجودات ذوات أوضاع وأنها حدود ونهايات للامتدادات وأن العلو والسفل منها جهتان معينتان لا تتبدلان وهذا يستلزم وجود محدد به يتعين وضعهما ويلزم أن يكون جسما واحدا كريا محيطا بالكل ليتعين العلو بأقرب حد من محيطه والسفل بأبعد حد منه وهو المركز أما الجسمية فلوجوب كونه ذا وضع وأما الوحدة فلأنه لو تعدد بأن يكون جسمين مثلا فإما أن يحيط أحدهما بالآخر أو لا فإن أحاط كان هو المحدد إذ إليه الانتهاء دون المحاط وإن لم يحط كان كل منهما في جهة من الآخر فيكون متأخرا عن الجهة أو مقارنا لها لا سابقا عليها ليصلح محددا لها وأيضا كل منهما إنما يحدد جهة القرب منه دون البعد فإنه غير متحدد والمطلوب إثبات ما يحدد الجهتين المتقابلتين معا وفيه نظر لجواز أن يكون الجسماني بحيث يكون غاية القرب من كل منهما غاية البعد من الآخر فيتحدد بهما الجهتان فلذا كان المختار هو الوجه الأول وأما وجوب كونه كريا فلأنه بسيط يمتنع زواله عن مقتضى طبعه أعني الاستدارة إذ لو كان مركبا أو بسيطا زال عن استدارته إذ لو كان لزم جواز الحركة المستقيمة على أجزائه وهو محال ضرورة أنها لا تكون إلا من جهة إلى جهة فتكون الجهة قبله أو معه فلا تكون متحددة به وجه اللزوم أما في البسيط الزائل عن الاستدارة فظاهر وأما في المركب فلأن تألفه لا يتصور إلا بحركة بعض الأجزاء إلى البعض ولأن من لوازمه جواز الانحلال لأن كل واحد من بسائطه يلاقي بأحد طرفيه شيأ غير ما يلاقيه بالطرف الآخر مع تساويهما في الحقيقة فيجوز أن يلاقي ذلك الشيء بالطرف الآخر وذلك
(٣٣٥)