من أدلة امتناع بقاء الأعراض على الإطلاق وثانيهما أن الأجسام لا يخلو عن الحركة والسكون لأن الجسم لا يخلو عن الكون في الحيز وكل كون في الحيز إما حركة أو سكون لأنه إن كان مسبوقا يكون في غير ذلك الحيز فحركة وإلا فسكون لما سبق من أنه لا معنى للحركة والسكون سوى هذا ثم كل من الحركة والسكون حادث أما الحركة فلوجهين أحدهما أنها تقتضي المسبوقية بالغير لكونها تغيرا من حال إلى حال وكونا بعد كون وهذا سبق زماني حيث لم يجامع فيه السابق المسبوق والمسبوق بالغير سبقا زمانيا مسبوق بالعدم لأن معنى عدم مجامعة السابق المسبوق أن يوجد السابق ولا يوجد المسبوق والمسبوقية بالعدم هو معنى الحدوث ههنا وثانيهما أن الحركة في معرض الزوال قطعا لكونها تغيرا وتقضيا على التعاقب والزوال أعني طريان العدم ينافي القدم لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه فما جار عدمه انتفى قدمه وأما السكون فلأنه وجودي جائز الزوال ولا شيء من القديم كذلك لما مر وإنما قيد بالوجودي لأن عدم الحادث قديم يزول إلى الوجود إذ دليل امتناع عدم القديم وهو أنه إما واجب أو مستند إليه بطريق الإيجاب إنما قام في الموجود أما كون السكون وجوديا فلأنه من الأكوان وأما كونه جائز الزوال فلأن كل جسم قابل للحركة أما أولا فلعدم نزاع الخصم في ذلك وأما ثانيا فلأن الأجسام متماثلة فيجوز على كل منها ما يجوز على الآخر فإذا جاز الحركة على البعض بحكم المشاهدة جاز على الكل وأما ثالثا فلأن الأجسام إما بسايط وإما مركبات فالبسايط يجوز على كل من أجزائها المتشابهة الحصول في حيز الآخر وما ذاك إلا بالحركة والمركبات يحوز على كل من بسايطها المتماسة أن يكون تماسها الذي وقع بجزء من هذا يقع بسائر أجزائه المتشابهة وذلك بالحركة واعترض على ما ذكر في بيان امتناع خلو الجسم عن الحركة والسكون بأنه لو صح لزم أن يكون الجسم في أول الكون متحركا أو ساكنا واللازم باطل قطعا لاقتضاء كل منهما المسبوقية بكون آخر وبأنا لا نسلم أن الكون في حيز إن لم يكن مسبوقا بالكون في ذلك الحيز كان حركة وإنما يلزم لو كان مسبوقا بالكون في حيز آخر وهذا في الأزل محال لأن الأزلية تنافي المسبوقية بحسب الزمان وأجيب بأن الكلام في الكون المسبوق بكون آخر للقطع بأن الكون الذي لا كون قبله
(٣٢٨)